الصين بين الشيخوخة السكانية وعيوب الإنتاج

تمر الصين الآن بمنعطف حرج. فقد كان أداء اقتصادها المثقل بالديون الـميال إلى الانكماش هزيلا بدرجة خطيرة. وتورطت حكومتها في واحد من أكبر صراعات القوى العظمى مع الولايات المتحدة. وهي الآن تواجه الأبعاد العميقة لأزمة ديموغرافية. أسوأ ما في الأمر أن السلطات الصينية تستجيب لهذه التحديات بأيديولوجية وتكتيكات عتيقة من الماضي، بدلا من تنفيذ إصلاحات رائدة. الواقع أن المعروض من الحلول الإبداعية للمشكلات الصعبة بات نادرا. تلقيت قدرا لا بأس به من الانتقادات بسبب تغيير رأيي على هذا النحو، خاصة من جانب الساسة الأمريكيين المتحيزين منذ أمد بعيد ورفاقهم في وسائل الإعلام. من المدهش أن الصينيين كانوا أكثر انفتاحا على المناقشة، خاصة حول احتمال مفاده أن الصين التالية بدأت تبدو أشبه باليابان التالية. بعد مناقشة هذه المخاوف مع مجموعة واسعة من كبار المسؤولين، وكبار قادة الأعمال، والأكاديميين، والطلاب السابقين، والأصدقاء في سلسلة من الزيارات إلى الصين على مدى الأشهر القليلة الأخيرة، تبرز ثلاثة استنتاجات: أولا: كانت استجابة السياسة الصينية للاقتصاد المتدهور غير مستنيرة، إذ تعتمد الحكومة على ما أسمته لفترة طويلة "التحفيز المالي الاستباقي والسياسة النقدية الحكيمة" لدعم النمو الاقتصادي بنحو 5% في 2024 (من المقرر أن يعلن رئيس مجلس الدولة لي تشيانج رسميا الهدف في مؤتمر الشعب الوطني في مارس). وكما كانت الحال في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية خلال الفترة 1997-1998 والأزمة المالية العالمية في 2008، تلجأ الصين مرة أخرى إلى القوة الغاشمة المتمثلة في ضخ مبالغ نقدية كبيرة لمعالجة الارتباكات الكبرى في سوق العقارات وأدوات تمويل الحكومات المحلية، وسوق الأوراق المالية. ثانيا: لا تـفـلـح مثل هذه التكتيكات قصيرة الأمد المضادة للتقلبات الدورية في إيجاد علاجات فـعـالة للمشكلات البنيوية التي طال أمد بقائها في الصين. وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، بلغ عدد السكان في سن العمل في الصين ذروته في 2015، وسينخفض بنحو 220 مليون نسمة بحلول 2049. تـنبـئنا علوم الاقتصاد الأساسية أن الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي الـمطرد مع تناقص عدد العمال يتطلب استخراج مزيد من القيمة المضافة من كل واحد منهم، وهذا يعني أن نمو الإنتاجية أمر شديد الأهمية. ولكن مع حرص الصين الآن على استخلاص مزيد من الدعم من الشركات المنخفضة الإنتاجية المملوكة للدولة، ولأن القطاع الخاص الأعلى إنتاجية يرزح تحت ضغوط تنظيمية مكثفة، فإن احتمالات تسارع نمو الإنتاجية تبدو قاتمة. أكثر ما يقلقني هو الإنتاجية الصينية، خاصة مع تأثير الشيخوخة السكانية الآن على قوة العمل في الصين. لا تقل الإنتاجية أهمية في النظام الاشتراكي القائم على السوق في الصين عن أهميتها في الاقتصاد الرأسمالي. وقد لفت الأكاديميون الانتباه إلى عدد كبير من المصادر البارزة لنمو الإنتاجية - التكنولوجيا، والاستثمار في رأس المال البشري، والبحث والتطوير، والتحولات بين الصناعات في مزيج الناتج الوطني. وقد عبر الراحل روبرت سولو، مخترع نظرية النمو الحديثة، عن الأمر على أفضل وجه، واضعا الإنتاجية في إطار يعدها وكيلا "متبقيا" للتقدم التكنولوجي بعد وضع المساهمات المادية في الناتج عن طريق العمل ورأس المال في الحسبان. إن القيادات الصينية تعاني عجزا في الخيال مثيرا للقلق على نحو متزايد، إذ تتناقض عقليتهم الراسخة المعاكسة للتقلبات الدورية مع المخاطر الانكماشية المتصاعدة، التي تفاقمت بسبب التفاعل المميت بين الشيخوخة السكانية السريعة ومشكلات خطيرة تعيب الإنتاجية. في الوقت ذاته، تعمل الحكومة على خنق الإبداع من خلال وابل من القواعد التنظيمية، في محاولة للاستلهام من الأيديولوجية. خاص بـ"الاقتصادية" حقوق النشر بالاتفاق مع بروجيكت سنديكت، 2024 www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي