الطاقة وحتمية التكامل
ذكرت سابقا أن العالم ما زال وسيبقى متعطشا لجميع مصادر الطاقة دون استثناء، كونه ينمو في جميع المجالات والأنشطة نموا مطردا، وهذا النمو يرافقه بطبيعة الحال نمو في الطلب على الطاقة، وعليه أعتقد أنه من الضرورة بمكان أن يعمل الجميع، وأن تتوحد الجهود لرفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء، وليس السعي الحثيث لإقصاء بعض مصادر الطاقة أو محاولة تهميشها.
ينظر البعض إلى العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة أنها علاقة تنافسية محضة، والأخطر في رأيي أن ينظر البعض إلى هذا التنافس معتقدين أنه خاضع للمعادلة الصفرية، التي تعني أن يكسب فيها أحد مصادر الطاقة كل شيء مقابل خسارة المصادر الأخرى كل شيء، وهذه الرؤية أصبحت بكل أسف توجها لدى بعض صناع القرار، مدعوما من بعض بيوت الخبرة ومراكز الدراسات! حاملو لواء هذا التوجه استنفروا من فوق كل منبر وسلوا أقلامهم بتكثيف التقارير حول قرب نهاية عصر النفط، وأن نجمه آفل لا محالة، وهناك فئة تشاطرهم الأماني تضع الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط، في قفص الاتهام، وأنه سبب جميع الكوارث الطبيعية والمناخية في العالم، وأن إحلال الطاقة المتجددة في أسرع وقت يعني خلاص العالم واستقرار مناخه. في رأيي إن هناك مبالغة كبيرة من بعض وسائل الإعلام حول قرب ساعة الاستغناء عن النفط وأفول نجمه، كونها تستند إلى ركائز غير موضوعية ولا مهنية، والمتابع لهذه الحملات الإعلامية والتقارير من بعض بيوت الخبرة والمنظمات واللجان المختصة في هذا القطاع، يشعر أنها تتشابه وتتماهى لخدمة أجندات سياسية واقتصادية واحدة.
تباينت الدراسات الاستشرافية حول مصادر الطاقة وحصتها العالمية على المديين القريب والمتوسط، منها المتفائلة ومنها المتحفظة، وتجد فيها الموضوعية المبنية على مدخلات دقيقة انعكست على مخرجاتها، وتجد أيضا غير الموضوعية. تفاوتت الدراسات الاستشرافية في قراءة مستقبل قطاع الطاقة وحصة مصادره في الاستهلاك العالمي على المديين المتوسط والبعيد، وبحسب اطلاعي على الدراسات المستقبلية التي أرى أنها موضوعية ومحايدة إلى حد كبير، بحسب اطلاعي لم أجد منها ما يقلل من أهمية الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط، بل هناك شبه إجماع أنه - وأعني هنا الوقود الأحفوري - سيبقى متربعا على عرش صدارة مصادر الطاقة في المديين المتوسط والبعيد على أقل تقدير.
"بريتش بتروليوم" توقعت أن النفط سيبقى متربعا على عرش صدارة مصادر الطاقة العالمية 2040 بنسبة 27 %، ويأتي بعده الغاز الطبيعي بنسبة 25 %، بينما ستحتل الطاقة المتجددة المرتبة الثالثة كمصدر للطاقة 2040 بنسبة قد تصل إلى 23 % ومن ثم الفحم الطبيعي بما يقارب 20 % وأخيرا الطاقة النووية بنسبة 5 %. في ظل النمو العالمي المطرد، وفي ظل العقبات الفنية والطبيعية والسياسية والاقتصادية التي تواجه بعض مصادر الطاقة وسلامة إمداداتها، يجب التركيز على رفع كفاءة واستهلاك جميع مصادر الطاقة، لا السعي إلى محاربة بعضها وتقنين بعض آخر منها، وأعتقد أن التكامل بين جميع مصادر الطاقة أصبح حتميا وضرورة ملحة لتجنيب العالم خطر شح للطاقة يعطل خططها التنموية، ويقوض تطورها ومدنيتها وينحر صناعاتها من الوريد إلى الوريد.