دفع محركات النمو برؤية غير نفطية
من الواضح أن القطاع غير النفطي في السعودية، يمضي في مسار سريع وقوي في الوقت نفسه، بينما تدل المؤشرات كلها، على أنه يحقق قفزات نوعية، ضمن نطاق مستهدفات "رؤية السعودية 2030". فهذه الأخيرة، وضعت التنوع أساسا للبناء الاقتصادي الذي يجري على الساحة المحلية، وكرست الهدف الرئيس بالتحول إلى ميادين متعددة بعيدة عن النفط، للوصول إلى الاستدامة المستهدفة أيضا. واللافت على الساحة السعودية، أن عددا من المشاريع التنموية، حققت أهدافها حتى قبل أن تنتهي المرحلة الموضوعة لها، ما يؤكد مجددا جودة التنفيذ، حتى في الأوقات الصعبة التي مر (ويمر بها) العالم، ولا سيما فترة انفجار جائحة كورونا وتبعاتها، والموجة التضخمية التي لا تزال ماثلة على الساحة الدولية بأشكال مختلفة، وبتأثيرات متعددة.
في العام الماضي سجلت الأنشطة غير النفطية في السعودية أعلى مساهمة لها في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 50 %. في حين وصل حجم الاقتصاد غير النفطي إلى 1.7 تريليون ريال. وهذا يعني أن الأهداف في هذا المجال تتحقق على أسس قوية، خصوصا أن هذا الارتفاع أتى من قطاعات بعضها يعد جديدا، كالترفيه والضيافة، والبعض الآخر بات منذ فترة جزءا أصيلا من الحراك العام، ويتسم بالاستدامة، كالصحة والتعليم والاتصالات والنقل والتجارة وغيرها. فعلى سبيل المثال حققت أنشطة الترفيه والفنون نموا هائلا بلغ 106 % في عامي 2022 و2023، وسجلت بقية الأنشطة ارتفاعا أيضا قويا ما بين 29 و77 %. ما يعني مرة أخرى، أن المسار الخاص بالقطاع غير النفطي يتسم بنمو كبير حقيقي، يمكن الاستناد إليه لمزيد من الزيادة في الأعوام المتبقية من هذا العقد.
كل هذا يأتي أيضا على أساس نمو كبير للغاية في الاستثمارات غير الحكومية، التي سجلت ارتفاعا في العامين الماضيين وصل إلى 57 %. ووفق الجهات الرسمية بلغت قيمة هذه الاستثمارات في العام الماضي 959 مليار ريال، وهذا أعلى مستوى لها على الإطلاق. واللافت أيضا، أن حصة الصادرات الخدمية الحقيقية المرتبطة بإنفاق السياح الوافدين سجلت مستوى مرتفعا، وحققت نموا غير مسبوق في عامين فقط بلغ 319 %. فالسعودية، صارت وجهة سياحية تستقطب مزيدا من الزائرين في ظل توافر المواقع والأماكن السياحية المتنوعة التي يبحثون عنها، فضلا عن الشبكة الهائلة من الفنادق والمنتجعات، إضافة إلى النشاطات والمهرجانات الموسمية وغير الموسمية التي رفعت بدروها عدد السياح القاصدين لها.
ولا شك في أن هذه التطورات، تسهم مباشرة في تمتع السعودية بتصنيفها المرتفع من قبل الجهات العالمية المختصة، ولا سيما فيما يتعلق بالتنوع الاقتصادي، والإصلاحات التي أوردتها "رؤية السعودية"، فضلا عن الجودة في تنفيذ المشاريع والمخططات الموضوعة بهذا الخصوص. ففي العام الماضي وضعت وكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيف العالي للسعودية عند "إيه إيه 1"، على أساس النجاحات التي تحققها في تنمية القطاع غير النفطي، إضافة طبعا، إلى الجهود عالية الجودة في إدارة المالية العامة، مع الحفاظ على مستوى متوازن للدين العام. وفي كل الأحوال، سيواصل النمو في القطاع غير النفطي في السعودية بمستويات مرتفعة في الأعوام المقبلة، مع تعدد المصادر المنتجة للعوائد في هذا القطاع الذي بات يوازي الآن مساهمة القطاع النفطي في فترة زمنية تعد قصيرة. علما بأن الاستثمارات غير الحكومية مرشحة للارتفاع أيضا في الفترة المقبلة، ما يعزز مسيرة التنوع الاقتصادي المحلي. والهدف يبقى دائما على الساحة السعودية، هو تعزيز محركات النمو، وتطويرها، واستحداث أخرى جديدة تحقق الوصول إلى المستهدفات كلها.