دائما بانتظار «الفيدرالي»
"النمو الأمريكي سيتباطأ هذا العام إلى 2 %"
جيروم باول، رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
طال انتظار قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"، بخفض الفائدة رغم أن المشرعين فيه لم يعطوا أي إشارات تدل على "تساهل" حتمي في تقرير مصير تكاليف الاقتراض، بل كانت كلها مرتبطة بالتطورات المتوقعة وغير المتوقعة للحراك الاقتصادي الأمريكي العام. ومع ذلك هناك نية موجودة لخفض الفائدة قبل نهاية العام الجاري، لكن -كما هي العادة- مرتبطة بمسار التضخم تمكنت الولايات المتحدة بالفعل من خفضه في الأشهر الماضية بوتيرة ناجحة أكثر من أي وتيرة أخرى على ساحة الاقتصادات المتقدمة الأخرى. وإذا ما استمر الأداء الاقتصادي على منواله الحالي، ستكون هناك فرصة أمام المشرعين الأمريكيين لبدء خفض الفائدة، التي تخفض بنسبة 0.75 في المائة بنهاية العام على أكبر تقدير.
والملاحظ أن تفاصيل تفسير "الفيدرالي الأمريكي" لمستقبل الفائدة، في أعقاب تجميده إياها في المراجعة الأخيرة، ليست متفائلة كثيرا، بل هناك من عدها متشائمة، إلا أن أي نسبة من الخفض لتكاليف الاقتراض ستكون بمنزلة دفعة ضرورية للاقتصاد المحلي، فضلا عن أهميتها بالنسبة لبلدان تعاني ضغوط الديون المقومة بالدولار الأمريكي. وفي كل الأحوال، من المرجح أن تكون هناك ثلاثة تخفيضات صغيرة بحدود 0.25 في المائة كل مرة بحلول نهاية 2024. والحق أن الشرط الأهم لخفض الفائدة ليس بعيدا عن التحقيق، وهو أن يصل التضخم إلى 2 في المائة في الأشهر المتبقية من العام الجاري. فالحراك العام يعزز حقيقة أن أسعار المستهلكين ستمضي في انخفاضها، الأمر الذي سيسفح المجال أمام التيسير النقدي المضبوط بالطبع.
الشهر السادس من العام الحالي، سيشهد نقطة تحول من جانب "الفيدرالي الأمريكي"، لأن الأخير بات أقرب إلى خفض الفائدة في مراجعته لها. وهذا يعني أن العام المقبل قد يشهد مزيدا من الخفض خصوصا إذا ما استمر أداء الاقتصاد الأمريكي على وضعيته الجيدة الراهنة. الفائدة الآن ظلت عند مستوى 5.25 إلى 5.50 في المائة منذ صيف العام الماضي، وهي مرتفعة بما يؤثر سلبا في نسبة النمو. ومع ذلك لا يوجد من يخاطر بخفض تكاليف الاقتراض، وذلك لحماية ما تحقق بالفعل على صعيد هبوط التضخم. السياسات النقدية الأمريكية لن تكن متشددة في السابق مثلما هي الآن. وهذا أمر طبيعي لأنه ينسحب على الساحة الدولية أيضا، في أعقاب الموجة التضخمية الهائلة التي ضرب العالم.
يمكن تفسير الرسالة الأخيرة للمشرعين الأمريكيين وفق صيغة "أننا نسير في الطريق الصحيح"، لكن في الوقت نفسه "علينا ألا نكون مندفعين في تغيير المنهج النقدي الراهن". أو يمكن القول أيضا "إن التريث يجب أن يكون هو السائد الآن". وهذا الموقف يستند أيضا إلى حقيقة أن النمو الأمريكي لا بأس به، بل يعد قويا مقارنة بمستوياته في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، كما أن وتيرة توفير الوظائف ترتفع بالفعل منذ أشهر على الساحة الأمريكية. ولذلك فإن التريث في تخفيف قيود الاقتراض، يضمن نتائج جيدة على صعيد التضخم أولا بارتفاعه الآفة الاقتصادية الاجتماعية، ويمنح السوق المحلية مزيدا من الوقت لاستيعاب المتغيرات. إنها مسألة وقت.
عندما يبدأ المشرعون بتخفيف معدلات الفائدة، سيحدث بلا شك انفراج أكبر على صعيد النمو، مع الإشارة إلى أن الخفض في تكاليف الاقتراض، سينعكس إيجابيا على أوضاع البلدان التي ترزح تحت ديون هائلة، زادت بصورة خطيرة في أعقاب جائحة كورونا والموجة التضخمية التي لا تزال موجودة على الساحة بشكل أو آخر.