التقاط الكربون واللقطة الحاسمة

تسعى كثير من الحكومات على مستوى العالم لتنفيذ الالتزامات الدولية المتعلقة بإزالة والتقليل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول منتصف القرن الحالي، حيث يشهد العالم تغيرات كثيرة بسبب ظاهرة التغير المناخي التي تلقي بضلالها أيضاً على المناخ السياسي، الذي يشهد تقلبات في الشرق والغرب ويؤثر ويتأثر بالمنازعات المناخية، فيما تتقارب الخطى نحو النقطة الحاسمة لتحقيق تلك المستهدفات في مواعيدها المحددة بحسب كل دولة. وتتصدر السعودية دول المنطقة في تحديد طموحها للتقليل والحد من الانبعاثات الكربونية، حيث تستهدف تقليل الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنوياً بحلول 2030 تمهيداً للطريق نحو تحقيق الحياد الصفري بداية 2060، بحسب الإعلان الاولي لمبادرة السعودية الخضراء. وتُعد قطاعات كبرى مثل قطاع الطاقة و قطاع الصناعة، ولا سيما صناعتي الأسمنت والحديد إضافة الى قطاع النقل من أهم القطاعات ذات التأثير الأعلى فيما يخص الانبعاثات الكربونية، التي يجب أن تراعي الحلول من المصدر "مصدر الانبعاثات" فيما يتعلق بالتقاط واحتجاز الكربون تحقيقاً لمساعي الوصول للحياد الصفري بعد منتصف هذا القرن بعشرة أعوام. وفيما يخص جهود قطاع الطاقة، تشهد المملكة أعمال إنشاء أكبر مجمع في العالم لالتقاط ثاني أكسيد الكربون ونقله وتخزينه بقيادة شركة أرامكو السعودية وشركائها شركتي ليند و إس إل بي بحلول 2027 حيث تشير المعلومات إلى أن المشروع قطع خطوات مهمة نحو تنفيذه في مدينة الجبيل الصناعية مستهدفاً التقاط وتخزين ما يصل الى تسعة ملايين طن متري من ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض سنوياً، حيث سيمكن هذا المجمع السعودية من إنتاج الهيدروجين والأمونيا النظيفة مستقبلاً، حيث تستهدف المملكة التقاط وتخزين 44 مليون طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون بحلول 2035. وبينما نرى الجهود الملموسة في بعض القطاعات فيما يخص التقاط الكربون من المصدر فإننا بحاجة الى رؤية الجهود الفاعلة من القطاعات الحيوية الأخرى مثل قطاعي صناعة الأسمنت وصناعة الحديد، اللذين لهما وزنهما الثقيل في حجم الانبعاثات وحجم الفرص الخاصة بالتقاط الكربون وتقليل الانبعاثات الكربونية، ولا سيما أن قطاع التطوير العقاري ومشاريع رؤية السعودية 2030، تحديداً مشاريع صندوق الاستثمارات العامة تعتمد بشكل رئيس على هذه الصناعات في تنفيذ مشاريع البناء والتشييد، مثلا في مشروع نيوم أو البحر الأحمر أو المربع الجديد أو روشن أوغيرها من المشاريع الأخرى، ما يوجد طلباً عالياً على الزيادة في استخدامات الأسمنت والحديد التي بدورها تعد فرصة سانحة لتبديل الممارسات التقليدية إلى أخرى أكثر استدامة مثل تشكيل تحالفات لمصانع إنتاج الأسمنت لإنتاج أسمنت صديق للبيئة مجد اقتصادياً ويلبي الطلب المتزايد في السوق وفق مبدأ العرض والطلب حيث إن جميع المشاريع الحالية أو أغلبها تعمل وفق استراتيجيات خاصة بالاستدامة مع مستهدفات سنوية لتقليل الانبعاثات الكربونية لا تستطيع الوفاء بها في ظل ضعف توفير المواد المحلية والأساسية ذات الصبغة المستدامة التي تحتاج إلى وقفة حاسمة من قبل المشرعين والعاملين في قطاع الصناعة لتحديد موقفهم إزاء هذه الصناعات المهمة والحيوية التي تتطلب المرحلة الحالية والمستقبلية أن تكون أكثر استدامةً واخضراراً. إن التحديات لازالت كبيرة أمام تحقيق مستهدفات تقليل الانبعاثات الكربونية سواءً تحديات مالية أو تكنولوجية أو القدرة المعرفية والكفاءات المتوافرة في هذا المجال وغيرها، ولذلك يجب على كافة القطاعات العمل جدياً ومع بعض على توفير وابتكار وتطوير الاعمال والممارسات الحالية وبشكل عاجل فيما يتعلق بتقليل الانبعاثات الكربونية والتقاط ما يمكن التقاطه وفق الجدول الزمني المحدد، لأن هنالك "لقطة حاسمة" يترقبها السعوديون والعالم بحلول 2060.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي