السياسة الصناعية كفاءتها صعبة المنال

يبدو أن السياسة الصناعية قد عادت في كل مكان. فقد أثارت الجائحة والتوترات الجغرافية-السياسية المتزايدة وأزمة المناخ شواغل حيال صلابة سلاسل الإمداد، والأمن الاقتصادي والقومي، وقدرة الأسواق بوجه عام على توزيع الموارد بكفاءة ومعالجة تلك الشواغل. ونتيجة لذلك، واجهت الحكومات ضغوطا لاتخاذ موقف أكثر فاعلية إزاء السياسة الصناعية. وقد ناقش الاقتصاديون طويلا مزايا السياسة الصناعية ومساوئها. فمن شأن هذه التدابير أن تساعد على معالجة إخفاقات السوق، مثل التدخلات المرتبطة بالتحول المناخي. لكن السياسة الصناعية مكلفة، ومن الممكن أن تؤدي إلى أشكال مختلفة من إخفاقات الحكومة، بداية من الفساد حتى سوء توزيع الموارد. كذلك يمكن أن تؤدي السياسات الصناعية إلى تداعيات مدمرة عبر الحدود، ما يزيد من خطر التدابير الانتقامية من جانب بلدان أخرى، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى ضعف النظام التجاري متعدد الأطراف وتفاقم التشرذم الجغرافي-الاقتصادي. وهناك حاجة إلى مزيد من البيانات، ومزيد من التحليل، ومزيد من الحوار لتجنب الأخطاء المكلفة. تعاون صندوق النقد الدولي أخيرا مع مرصد التجارة العالمية لمراقبة التطورات. وبحسب بحثنا الجديد، شهد العام الماضي تنفيذ ما يزيد على 2500 تدخل في إطار السياسات الصناعية حول العالم. وأدى أكثر من ثلثي هذه التدخلات إلى تشويه التجارة، حيث أسهمت على الأرجح في التمييز ضد المصالح التجارية الأجنبية. والجهود المبذولة لجمع هذه البيانات هي أولى الخطوات نحو فهم الموجة الجديدة من السياسات الصناعية. وجاءت الطفرة الأخيرة في حجم هذه التدابير مدفوعة بالاقتصادات الكبيرة، حيث شكل كل من الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة ما يقرب من نصف جميع التدابير الجديدة في 2023. ويبدو أن الاقتصادات المتقدمة كانت أكثر إقبالا على تلك التدابير مقارنة بالأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وتعد بيانات العقد الماضي أقل دقة، لكن المعلومات المتاحة تشير إلى أن استخدام الدعم في الماضي كان أكثر شيوعا في الاقتصادات الصاعدة، ما أسهم في بقاء عدد كبير من التدابير القديمة حتى الآن. وفي الآونة الأخيرة، تركز التدابير بدرجة أكبر على التحول الأخضر والأمن الاقتصادي، وبدرجة أقل على القدرة التنافسية. وفي العام الماضي، كانت القدرات التنافسية هدف ثلث جميع تدابير السياسات الصناعية. وكان الدافع وراء الثلثين المتبقيين هو تخفيف آثار تغير المناخ، وصلابة سلاسل الإمداد، والاعتبارات الأمنية. وتهدف السياسة الصناعية إلى إعادة توزيع الموارد على شركات أو صناعات أو أنشطة محلية محددة تخفق قوى السوق في النهوض بها في إطار اجتماعي فعال. لكن تحقيق المنافع الاقتصادية الصافية المرجوة يقتضي إحكام تصميم هذه التدخلات، ما يعني ضرورة توجيهها نحو تصحيح إخفاقات السوق الواضحة، واستنادها إلى مبادئ تعزيز المنافسة والتحليل الدقيق للتكاليف والمنافع. ونظرا لأن السياسة الصناعية تهدف إلى تعديل الحوافز المقدمة للشركات الخاصة، فإنها تنطوي كذلك على خطر سوء توزيع الموارد وسيطرة الصناعات على الحكومات بمرور الوقت. ويمكن أن تؤثر أيضا في التجارة والاستثمار والتدفقات المالية وأسعار السوق العالمية، ما قد يكون له انعكاسات هائلة على الشركاء التجاريين والاقتصاد العالمي. لم يكن هناك رابط واضح دائما بين التدابير التي أعلنت أو نفذت العام الماضي وإخفاقات السوق. ويعني ذلك أن السياسات المحكمة التي تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال عموما كانت الخيار الأنسب في بعض الحالات مقارنة بالتدخلات الحكومية الموجهة التي تنطوي على مخاطر سوء توزيع الموارد وتكلفة محتملة كبيرة على المالية العامة. نظرا لحداثة عديد من تدابير السياسة الصناعية التي نفذت أخيرا وأهميتها بالنسبة للاقتصاد الكلي، كثف خبراء الصندوق جهودهم في ثلاثة مجالات. ازداد تركيز الصندوق على جمع البيانات وتحليل السياسات الصناعية لزيادة الوعي وإثراء مناقشات السياسات. وإضافة إلى المبادرة الجديدة لرصد البيانات، يدرس الخبراء حاليا مدى فاعلية السياسات الصناعية في تحقيق الأهداف المعلنة. وفي مجال الرقابة الثنائية، يركز خبراء الصندوق على تقييم تدابير السياسات الصناعية التي يمكن أن تؤثر إلى حد كبير في الاستقرار الداخلي أو الخارجي للبلد، أو التي يُحتمل أن تؤدي إلى تداعيات كبيرة عبر الحدود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي