نمو عالمي بلا وهج
"نرى بوضوح علامات التعافي في الاقتصاد العالمي"
كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي
إذا كانت "المعارك" التي اندلعت ضد التضخم هي السائدة في الفترة الماضية، بدأت بالفعل "معركة" ليست جديدة، لكنها قوية من أجل الوصول إلى المستوى المأمول من النمو، أو على الأقل إلى درجة قريبة منه. فكل الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية تحتاج إلى النمو، بعد فترة شهدت فيها تقلصا في ناتجها المحلي الإجمالي، ما أصاب بعضها بالركود الحقيقي، أو بالهبوط الناعم، أو بالتباطؤ "العنيف".
وبالطبع "معركة" النمو تندلع في ظل بقاء مستويات الفائدة مرتفعة، رغم أن المؤشرات كلها تدل على إمكانية خفضها قبل نهاية العام الجاري، خصوصا في ساحات الاقتصادات المتقدمة.
ومع ذلك، لا تزال البنوك المركزية الرئيسة تظهر الجانب المتشدد في التعاطي مع الفائدة، خصوصا مع التهديدات التي لا تزال مستمرة من جهة التضخم الذي بلغ في أوجه بعض البلدان أكثر من 12 %.
التعافي هو الهدف الأهم الذي يسعى المشرعون حول العالم لتحقيقه في العام الجاري. لكنهم في الوقت نفسه ليسوا متفائلين كثيرا بأن يكون متوهجا أو حتى متماسكا في ظل التطورات التي لم تهدأ حتى الآن.
وهذا التعافي سيحدث وفق ما هو حاضر على الساحة قبل نهاية السنة الحالية، والنمو العالمي سيتحقق فعلا، ولكن هذه المرة بقيادة من؟ بقيادة الاقتصاد الأمريكي الذي أظهر قوة كبيرة في العامين الماضيين، وقدرة على تجاوز تبعات التضخم والفائدة المرتفعة بصورة أو بأخرى.
وهذا لا يعني أن الاقتصادات الكبرى الأخرى ستكون أقل نموا منه، لكن الفارق بينها وبين أكبر اقتصاد في العالم، أن النمو في هذا الأخير أكثر استدامة، تدعمه مؤشرات التشغيل والتصنيع والخدمات.
صندوق النقد الدولي يعتقد أن النمو العالمي سيكون بطيئا حتى نهاية العام المقبل، والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي سيسجل 3.2 % في 2024 و2025، علما أنه لم يرتفع سوى 0.1 % عن مستواه في العام الماضي.
ومن أبرز العلامات على النمو، أن سوق العمل تشهد بالفعل انتعاشا واضحا، مع ارتفاع الطلب المحلي في الهند، وتراجع ضغوط الأسعار في أماكن متعددة حول العالم.
فقد تراجع التضخم العالمي إلى 5.9 % في العام الجاري، ومن المتوقع أن يهبط إلى 4.5 % في السنة المقبلة. تضاف إلى ذلك كله، إمكانية خفض تكاليف الاقتراض، وإن بصورة متواضعة قبل نهاية العام الحالي، علما أن شيئا من هذا ليس مضمونا تماما عند المشرعين.
ولا شك في أن "النضال" سيتواصل لإيصال أسعار المستهلكين إلى الحد الأقصى الرسمي المعمول به عند 2 %، لكن لا بأس أن يكون قريبا منه إذا لم يتحقق الهدف المرجو، ولا بد من الإشارة إلى أن عددا كبيرا من الدول ستشهد هذا العام انتخابات عامة، ما يدفع الحكومات إلى مزيد من الإجراءات المعززة للنمو، خصوصا في سوق العمل.
إذا تحقق النمو هذا العام بنسبة 3.2 %، ستكون هناك مساحة للتحرك نحو دعمه في الأعوام المتبقية من العقد الحالي. فالتطورات السلبية التي اندلعت منذ بداية العقد، لم تخفض مستوى الناتج المحلي الإجمالي فحسب، بل نشرت الشكوك حول استدامة النمو حتى في البلدان التي كانت في السابق بمنزلة محركات قوية للنمو العالمي كله، مثل الهند والصين. فهذه الأخيرة تجهد حاليا لإيصاله إلى 5 % في العام الجاري، بينما تعتمد الهند على مشاريع البنى التحتية لضمان نمو مقبول.