نهاية الديون والتحديات الاقتصادية
على مدار أكثر من عقد من الزمن، زعم عدد كبير من خبراء الاقتصاد ــ المنتمين إلى اليسار في المقام الأول ولكن ليس حصرا ــ أن الفوائد المحتملة المترتبة على استخدام الديون لتمويل الإنفاق الحكومي تفوق كثيرا أي تكاليف مرتبطة به. كانت فكرة أن الاقتصادات المتقدمة قد تعاني أعباء الديون المتراكمة مرفوضة على نطاق واسع، وكانت الأصوات المعارضة موضع سخرية غالبا. وحتى صندوق النقد الدولي، الذي كان تقليديا من أشد المدافعين عن الحيطة المالية، بدأ يدعم مستويات عالية من التحفيز الممول بالاستدانة.
ثم انقلب المد خلال العامين الماضيين، حيث اصطدم هذا النوع من الـفكر السحري بالواقع القاسي المتمثل في ارتفاع معدلات التضخم والعودة إلى أسعار الفائدة الحقيقية الطبيعية طويلة الأجل. تؤكد عملية إعادة تقييم حديثة أجراها ثلاثة من كبار خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي على هذا التحول اللافت للنظر. ويتوقع الباحثون المشاركون في إعادة التقييم أن يرتفع متوسط نسبة الدين إلى الدخل في الاقتصادات المتقدمة إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، ويرجع هذا إلى توقعات نمو هذه البلدان المنحدرة في الأمد البعيد.
هذه ليست مجرد مسألة محاسبية. فرغم أن البلدان المتقدمة نادرا ما تتخلف رسميا عن سداد ديونها المحلية ــ حيث تلجأ عادة إلى تكتيكات أخرى مثل التضخم المفاجئ والقمع المالي لإدارة التزاماتها ــ فإن عبء الديون المرتفع يضر في عموم الأمر بالنمو الاقتصادي. كانت هذه هي الحجة التي سقتها أنا وكارمن راينهارت في مقال موجز لمؤتمر انعقد في 2010 وفي تحليل أكثر شمولا شاركنا في تأليفه مع فنسنت راينهارت في عام 2012.
أثارت هذه الأوراق البحثية نقاشا محتدما، شابَـهُ في كثير من الأحيان مغالطة جسيمة. ولم يكن من المفيد أن قسما كبيرا من عامة الناس ناضلوا للتمييز بين تمويل العجز، الذي قد يعمل بشكل مؤقت على تعزيز النمو، والديون المرتفعة التي تميل إلى إحداث عواقب سلبية طويلة الأجل.
من المؤكد أن الديون، في حقبة ما قبل الجائحة التي اتسمت بأسعار الفائدة الحقيقية الشديدة الانخفاض، بدت وكأنها بلا تكلفة حقا، الأمر الذي عمل على تمكين البلدان من الإنفاق الآن دون الاضطرار إلى السداد في وقت لاحق. لكن فورة الإنفاق هذه استندت إلى افتراضين. كان الأول أن أسعار الفائدة على الديون الحكومية ستظل منخفضة إلى أجل غير مسمى، أو على الأقل ترتفع تدريجيا بحيث يتسنى للبلدان ضبط الإنفاق على مدى عقود من الزمن. وكان الافتراض الثاني يتلخص في أن احتياجات الإنفاق المفاجئة والضخمة ــ على سبيل المثال، التعزيز العسكري ردا على عدوان أجنبي ــ يمكن تمويلها من خلال تحمل مزيد من الديون.
كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا لتبلغ 74% في 1974، بدلا من 23%. النبأ السيئ هنا هو أن هذه التكتيكات، في البيئة الاقتصادية اليوم والتي تتسم باستهداف التضخم والأسواق المالية العالمية الأكثر انفتاحا، ربما لم تعد قابلة للتطبيق، الأمر الذي يستلزم إدخال تعديلات كبيرة على السياسة المالية في الولايات المتحدة.
من الإنصاف أن نقول أيضا إن الذعر بشأن الدين العام لا داعي له، على الأقل في الاقتصادات المتقدمة. والنوبات العَرَضية من التضخم المرتفع أو الفترات الطويلة من القمع المالي ليست كارثية. لكن من الأهمية بمكان أن نؤكد أنه في حين يتمكن الأثرياء من الوصول إلى مجموعة من خيارات الاستثمار التي تمكنهم من تخفيف التأثير المترتب على مثل هذه التعديلات المالية، فإن المواطنين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط يميلون إلى تحمل القسم الأعظم من وطأة التكاليف.
باختصار، قد يكون الدين الحكومي أداة قيمة لمعالجة عدد لا حصر له من التحديات الاقتصادية. لكنه ليس ــ ولم يكن قَـط ــ بلا ثمن.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.
www.