التحلية.. من الكنداسة إلى المركز الأول عالميا
الماء هو المشكلة الأزلية للإنسان، ولذا كان الناس منذ القدم يعملون على أن يكون سكنهم بالقرب من مصادره سواء كانت أنهارا أو ينابيع أو آبار لتغطية حاجتهم منه للزراعة أو للاحتياجات المنزلية في الشرب أو الطهي وخلافه.. وكانت المياه أيضا سببا من أسباب الحروب والنزاعات أثناء التنافس على موارد المياه بين القبائل والأفراد. أما علاقة المياه بالاقتصاد فقد لوحظ على مر العصور ظهور ما يعرف بـ(اقتصاديات المياه) ويقصد بذلك تأثير المياه على معدلات النمو وتأثيرها السلبي في حالة شحها على الاقتصاد بكل أنشطته الزراعية والصناعية والخدمية.
وقد اهتمت السعودية بتوفير المياه منذ عهد الملك عبدالعزيز وآخر أوجه هذا الاهتمام موافقة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي على تحويل المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة إلى هيئة تسمى (الهيئة السعودية للمياه) التي وصف المهندس عبدالرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه قرار إنشائها بأنه خطوة في سياق الرعاية والاهتمام الذي تحظى به منظومة المياه من خادم الحرمين الشريفين وولي العهد رئيس مجلس الوزراء (وأشار إلى أنه وفقا للتنظيم الجديد فإن الهيئة السعودية للمياه ستضطلع بأدوار إستراتيجية وتنظيمية وتنفيذية وتضع الضوابط والاشتراطات اللازمة لما تصدره من تراخيص ذات صلة بالأنشطة المرتبطة بمجالات اختصاصها...).
وريادة السعودية في مجال (تحلية المياه) بدأت منذ وقت مبكر بهدف الاستفادة من مياه البحار التي تحيط بها من عدة جهات حينما أصدر الملك المؤسس أمرا بإنشاء وحدتي تكثيف لتقطير مياه البحر الأحمر باسم (الكنداسة) وذلك لإمداد محافظة جده بمزيد من مياه الشرب بلغت طاقتهما الإنتاجية آنذاك 120 ألف جالون ماء يوميا فقط. وللحاجة إلى التوسع في إنتاج المياه المحلاة تم إنشاء المحطة الثالثة عام 1390هـ في محافظة جده بطاقة إنتاجية قدرها 5 ملايين جالون يوميا.
وبعد إنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه تضاعف إنتاج الماء إلى أكثر من 100 مرة، إضافة إلى إنتاج الكهرباء، وأنفقت الدولة مليارات الريالات لإقامة 30 محطة تحلية على البحر الأحمر والخليج العربي لمواجهة شح المياه في بلد طبيعته صحراوية.
ورب سائل عن تأثير الماء في النمو الاقتصادي، والجواب أن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية وأهمها الماء، ولذا عرفت نظرية (اقتصاديات المياه) التي أشرت إليها من قبل.
وتقدر نسبة المياه المستخدمة في الزراعة 70% من المياه العذبه في العالم، وتعد دول الشرق الأوسط وإفريقيا من الدول المهددة بخسارة نسبة كبيرة من الإنتاج المحلي بحلول عام 2050 إذا لم تقم بتغييرات جذرية في أسلوب استخدام المياه لسد النقص المؤثر في الزراعة والصناعة والصحة العامة، والمأمول على المستوى المحلي أن تسهم هذه الهيئة ضمن منظومة البيئة والزراعة في إيجاد التوازن وتوفير البيئة التقنية والتشريعية للمحافظة على المياه والارتقاء بالابتكارات والاستثمارات فيها مع عدم الإضرار بالزراعة الضرورية التي هي الأخرى تشكل جانبا مهما من معادلة العيش والاقتصاد وتوصف أنها الأمن الغذائي.
وأخيرا، تعمل السعودية في الوقت الحاضر مع المجتمع الدولي لمواجهة هذا التحدي، ولذا أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، تأسيس منظمة عالمية للمياه مقرها الرياض، تهدف إلى تطوير جهود الدول والمنظمات لمعالجة تحدي المياه شموليا من خلال تبادل التجارب التقنية والابتكار والبحوث والتطوير والعمل على إنشاء مشروعات نوعية، والتعاون في تيسير تمويلها بهدف ضمان استدامة موارد المياه للجميع، وستسهم السعودية في هذه المنظمة بتجاربها في مجال المياه، وهي الأولى عالميا في تحلية المياه بجودة عالية وتكاليف معقولة.