القطاع غير النفطي إستراتيجية سعودية متجددة
لم يهدأ تسارع التحولات الاقتصادية على الساحة السعودية في كل القطاعات. فـ"رؤية السعودية 2030"، لا توفر فقط المشاريع والأفكار الجديدة والمتجددة، والابتكارات الداعمة لهذا القطاع أو ذاك، بل ترفد الحراك الاقتصادي العام بأدوات لازمة لبلوغ النتائج المأمولة، حتى إن عددا متصاعدا من المشاريع تم إنجازها قبل المواعيد الرسمية المحددة لها. فالمسألة برمتها تتعلق بجودة الأداء، والحوكمة في التنفيذ خصوصا في المرحلة الانتقالية نحو اقتصاد سعودي جديد، يحاكي إمكانات البلاد الضخمة، واستحقاقات المستقبل على الساحة الوطنية ككل، كما يحتوي التحولات المحلية والإقليمية والعالمية. ولذلك، تقدمت قطاعات محورية بقوة في السنوات القليلة الماضية، وصارت جزءا أصيلا من المنجزات العامة، كما أنها شكلت حافزا لقطاعات أخرى، تسير وفق إستراتيجية في التنفيذ والمخرجات.
يظل التحول الاقتصادي في الساحة السعودية مستندا بصورة أساسية إلى عدة ميادين، وعلى رأسها ساحة تنويع مصادر الدخل، والنقطة الأهم في هذا المجال، الابتعاد بسلاسة عن الاعتماد على القطاع النفطي. وفي السنوات الماضية، بدأت مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي تتزايد بصورة لافتة. ويعود ذلك أساسا، إلى تلك المشاريع التي تستهدف التنويع أساسا، وإلى الإصلاحات الهيكلية الضخمة التي تجري في البلاد، فضلا عن ارتفاع معدلات الاستهلاك، إلى جانب زيادة الإنفاق الاستثماري. يضاف إلى ذلك بالطبع، التحفيز الكبير من جانب المسؤولين للاستثمارات المحلية والعالمية، وتنامي دور القطاع الخاص الوطني، الذي عد من اليوم الأول لعملية البناء الاقتصادي الشريك الأساسي في التنمية.
في الربع الأول من العام الجاري حققت الإيرادات غير النفطية ارتفاعا بنسبة 9 %، لتصل إلى أكثر من 111 مليار ريال. وبدعم من القطاعات غير النفطية أيضا زادت الإيرادات العامة في الربع الأول 4 % إلى 293 مليار ريال. وهذا ما يعزز المسار العام نحو مزيد من الدعم الآتي من القطاعات غير النفطية بحلول نهاية العام الحالي، بحيث تترسخ مساهمة هذه القطاعات كل عام في إجمالي الناتج المحلي، وتحقق الأهداف الموضوعة لها ببلوغ عام 2030. ولا شك، أن هذا التوجه يلقى كل دعم ممكن، وكل رعاية متاحة، من أجل الوصول إلى المنشود، الذي سيشكل في النهاية المشهد الاقتصادي الوطني العام.
ولأن التوجه يمضي قدما، فقد جاءت توقعات وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية للتصنيف الائتماني متوافقة تماماً مع ما هو موجود على الأرض فعلا. فهذه الوكالة توقعت نموا للناتج المحلي بنهاية العام الجاري عند 2.2 %، وسيحقق ارتفاعا يصل إلى 5 % في العام المقبل. أما لماذا هذا الارتفاع في النمو، بينما يشهد العالم تراجعا في هذا النمو، فلأن حصة القطاعات غير النفطية ترتفع في الناتج المحلي، في ظل الاستثمارات الهائلة للدولة، والمشاركة المتنامية فيها من قبل القطاع الخاص (وفق إطار "رؤية السعودية 2030")، فضلاً عن الزيادات المتلاحقة للاستثمارات الأجنبية، التي تستفيد من البيئة الاستثمارية المرنة والصحية في السعودية.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن حجم استثمارات "الرؤية" تصل إلى تريليوني دولار، ما يعطي مزيدا من القوة للبناء الهيكلي للاقتصاد الوطني. علما أن مساهمة البنوك وأسواق المال تمثل محورا كبيرا جدا في الاستثمارات العامة. وهذا أيضا يشكل قوة دفع مطلوبة. الساحة مفتوحة ونشطة ومتجددة ومرنة وقادرة على الاستقطاب. والقطاعات غير النفطية ستواصل رفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، بحيث تصل إلى المستوى المستهدف وفق المخططات الإستراتيجية الراهنة.