بين فائدة محايدة ونقاط عمياء

"الأسواق تحتاج تحديدا لمعرفة متى ستخفض أسعار الفائدة"

لوريتا ميستر، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند

مهما كانت قوة المبررات في الوضع الراهنة للسياسة المالية الأمريكية، إلا أن الأجواء العامة في الأسواق المالية العالمية عموما تبقى ضمن نطاق عدم اليقين، لكيلا نقول مضطربة بعض الشيء. فمن الواضح أن المشرعين الأمريكيين ليسوا في عجلة من أمرهم لرؤية نمو مرتفع، طالما أن مخاطر التضخم لا تزال باقية، بالرغم من تحقيق قفزات نوعية في محاصرة تكاليف العيش، حتى اعتقد البعض أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"، بات على شفا إقرار خفض للفائدة قد يتكرر مرتين على الأقل قبل نهاية العام الحالي.

لكن صلابة "الفيدرالي" بهذا الخصوص، طرحت مجموعة من التساؤلات، بما فيها تلك الآتية من البنك الفيدرالي في كليفلاند الأمريكية، بشأن عدم وضوح الرؤية في أسواق المال، في ظل وجود ما يوصف بـ "النقاط العمياء".

والنقاط العمياء تعبير معروف في عالم المال، ويعني استحالة رؤية كل العناصر المطروحة في السوق. تماما مثل استحالة رؤية أي سائق سيارة بعض أماكن منها أثناء القيادة. باختصار تحتاج الأسواق إلى معرفة دقيقة لمستقبل الفائدة، وتحديدا متى سيتم تخفضيها، أي باتت غير قادرة على استمرار الحالة المرتفعة لتكاليف الاقتراض. لكن المسألة ليست بهذه السهولة.

رئيسة "الفيدرالي" في كليفلاند لوريتا ميستر، التي تتقاعد خلال أيام، شددت صراحة على أن "الجمهور لا يريد سماع مجموعة كاملة من الأمور المعقدة"، إنها ببساطة تسعى لمعرفة الخبر الذي ينتظره الجميع أمريكيا وعالميا، وهو متى ستخفض الفائدة؟ ويبدو واضحا أن قرب تركها لموقعها، شجعها أكثر للتحدث بلغة غير مرنة وبعيدة عن أي حسابات.

غير أن الأمور من جهة التعاطي مع الفائدة على ساحة "الفيدرالي الأمريكي"، تسير وفق رؤية مختلفة تماما، حتى أن المشرعين يعتقدون بأن سعر الفائدة المحايد منخفض نسبيا، ولذلك لا تغيير في وجهة النظر حيال هذا الأمر.

فـ "السعر المحايد" المشار إليه، هو المعدل الذي لا يحفز الاقتصاد ولا يقيده في الوقت نفسه، ولا سيما عندما يكون مستوى التضخم قريبا من الهدف الرسمي لـ "المركزي". وهذه النقطة تسهم في كل الأحوال، باتساع رقعة عدم اليقين بشكل عام، ما يجعل الأسواق أقرب إلى عدم الاستقرار والخوف من تطورات مفاجئة أو استحقاقات آتية لا محالة. فأهم عامل للأسواق في كل الظروف، ينحصر في معرفة موعد تخفيض الفائدة، حتى ولو كان بعيدا.

لكن هناك مشكلة كبيرة في هذه النقطة، لأن مفهوم "الفائدة المحايدة" نظري وفضفاض، حتى أن المشرعين يعترفون بأنه لا توجد طريقة موثوقة ومباشرة لتحديد قيمته. فالتقديرات الحالية تسجل هذه الفائدة ما بين 2.4 إلى 3.8 %.

وفي كل الأحوال، تتطلع الأسواق إلى خفض معقول لتكاليف الاقتراض قبل نهاية العام الحالي، ليس فقط من أجل ضمان نمو معقول لهذا العام، بل لتأمين أداء جديد يحقق النمو في العام المقبل، خصوصا بعد مرحلة من الضربات أصابت الاقتصاد العالمي ككل.

وحتى لو تمت مراقبة "سعر الفائدة المحايد" في الأشهر المتبقية من هذا العام، فإن "النقاط العمياء" ستجد موجودة، وربما تزيد طالما بقيت حالة عدم اليقين مسيطرة أو على الأقل تلعب دورا مهما على الساحة الاقتصادية عموما. ما تحتاجه الأسواق خصوصا في العام الجاري، سياسة مالية أكثر وضوحا، مع التخلي بعض الشيء عن التشدد الذي يبلغ الآن في الميدان الأمريكي أعلى مستوى له منذ عقود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي