إستراتيجية تتعمق بين العرب والصين

"نرغب بإنشاء هيكل استثماري ومالي على نطاق أوسع مع الدول العربية"

شي جين بينغ، رئيس الصين


لا تتوقف التطورات النوعية على صعيد العلاقات بين الصين والدول العربية. فالتوجه الصيني المنفتح يقابله توجه عربي يستهدف "صناعة" الأدوات اللازمة لإيجاد مزيد من المسارات التنموية التي تستند بالدرجة الأولى إلى مفهوم الشراكة. وفي العقدين الماضيين، تعمقت مسارات مهمة في غالبية الميادين بين الصين والعرب، بما في ذلك الاستثمارات المتصاعدة من كلا الجانبين. وهذا ما تعززه الأرقام الرسمية في بكين، التي حددت حجم التبادل التجاري بين الطرفين في العام الماضي بـ393.75 مليار دولار، بزيادة 821 % عما كان عليه في العام 2004، الذي شهد تأسيس منتدى التعاون الصيني-العربي. ولتأكيد تسارع التبادل التجاري، سجل في الربع الأول من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 3.8 % على أساس سنوي.

وعلى هذا الأساس، تبدو كل الطرق متاحة من أجل تدعيم متواصل للعلاقات المشار إليها، خصوصا في ظل مبادرات عربية وصينية متجددة، ترتكز على مرونة كبيرة، وتصميم من جانب بكين والعواصم العربية على استغلال كل فرصة، للوصول إلى أطر مستدامة يمكن البناء عليها دائما.

ولا بد من الإشارة، إلى أن كل تقدم في العلاقات، حصل على قوة دفع كبيرة في القمة العربية-الصينية الأولى التي استضافتها السعودية في 2022، ووضع خريطة طريق شاملة، هدفها الأول تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين، والتعاون الشامل والتنمية المشتركة. وهذا يعطي أهمية كبرى للقمة الثانية التي ستعقد في الصين في 2026، التي ستلتأم بعد سلسلة من مشاريع ستنفذ على الأرض بالفعل.

وفي الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني-العربي الذي عقد أخيرا في بكين بحضور 4 من قادة العرب، تم وضع أسس قوية للعلاقة الإستراتيجية، وفق محاور عدة، تعزز استدامة التنمية بشكل عام، لعل من أبرزها "الهيكل الاستثماري والمالي" الأوسع، وهذا يشمل إصدار السندات، وتعميق التبادلات، فضلا عن التعاون في ميادين العملات الرقمية، التي تتحول يوما بعد يوم، إلى ضرورة حتمية على مستوى العالم. والطرح الجديد المحوري أيضا، هو محاولة بكين لإنشاء كيان متعدد الأبعاد في مجال الطاقة، من أجل ربط ما سمي "أمن الإمدادات وأمن السوق". ولأن العلاقات بلغت أعلى مستوى لها، فمن المؤكد أنها ستسرع المفاوضات بشأن اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية بين بكين والعرب، وستدعم بقوة حراك التجارة الإلكترونية المتنامي. والعلاقات المتوازنة هي التي تكفل تطبيقا عالي الجودة للمشاريع المشتركة والمبادرات التي تطرح بين الحين والآخر، خصوصا في ظل تفاهمات واسعة النطاق.

الانطلاق نحو آفاق جديدة في العلاقات بين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والدول العربية عموما، ودول الخليج العربي على وجه الخصوص، تعزز أيضا جوانب كبيرة في مجالات أساسية للغاية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والبيئة والزراعة الحديثة والفضاء والصحة.

فبكين مستعدة (مثلا) لبناء مراكز مشتركة في للفضاء، وفي التعاون التنمية حتى في مجال التطبيقات. لا شك في أن طبيعة العلاقة ستكتسب عمقا أكبر في المرحلة المقبلة، في ظل وجود سلسلة متزايدة من المشاريع التي لا تنحصر عوائدها في طرفي العلاقة فقط، بل تشمل أيضا الساحة العالمية.

فالانفتاح متوافر، والمرونة موجودة، والرؤى حاضرة. والتجارب السابقة أظهرت جدوى الإستراتيجية الجامعة للطرفين. مع ضرورة الإشارة، إلى أن ذلك يعزز أيضا حراك حصر المشكلات العالقة وحلها، لا سيما تلك التي تشهدها المنطقة التي تحتاج للاستقرار للانطلاق بسرعات أكبر نحو التنمية المستدامة، والانفراج الاقتصادي والمعيشي.        

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي