بين التحرر من "النفط" وصناعته
أطلقت رؤية 2030 العنان للطاقات والإبداعات الوطنية، ورفعت سقف طموحنا كمواطنين بمستقبل أكثر إشراقا لأبنائنا ومستقبل الوطن في جميع النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها. السعودية منذ انطلاق "الرؤية" تحولت إلى ورشة عمل كبيرة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، لا مكان فيها إلا للأكفاء والأكفاء فقط، وهذه حقيقة جلية يراها يقينا كل منصف. ووصف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقاء سابق له في بداية الرؤية، وصف حال الدولة أنها حالة إدمان نفطية، وبسبب هذه الحالة أصبح هناك ما يشبه التعطيل للتنمية، وهذا هو الخطر الحقيقي على مستقبل الوطن ونموه، حيث كان هناك انطباع أن النفط سيتكفل بكل احتياجات السعودية، وهذا صحيح في الثلاثينيات والأربعينيات الميلادية عندما كان سكان السعودية أقل من 3 ملايين نسمة. التحرر من النفط إحدى ركائز "الرؤية" الرئيسة وهو لا يعني بأي حال من الأحوال التخلص منه، أو تهميش دوره التنموي الرئيس كونه يتربع على عرش مصادر الطاقة العالمية، إضافة إلى استخداماته وتطبيقاته الكثيرة. التحرر من النفط يعني تقليل الاعتماد عليه في إيرادات الدولة وتنويع مصادر الدخل، فكما ذكر ولي العهد أننا نريد أكثر من برميل نفط، وهذا يعني أن تتحرك السعودية بكل قوة نحو استغلال جميع الموارد والفرص المتاحة بكفاءة عالية أسوة باستغلالها نعمة النفط، وهذا عين تنويع مصادر الدخل وأساس التحرر من النفط. قطعت السعودية شوطا كبيرا جدا في النمو الاقتصادي في القطاع غير النفطي، الذي من المتوقع أن يبلغ 4.5 % لهذا العام، حيث ارتفعت الإيرادات غير النفطية بنحو 9 % في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالربع الأول من 2023، لتسجل 111.5 مليار ريال مقارنة ب 102.3 مليار ريال في الربع الأول من 2023. لرفع كفاءة استخراج النفط واستهلاكه قيمة نوعية في اعتقادي على اقتصاد الوطن، فالأول يقلل تكلفة إنتاج النفط، والثاني يتيح لنا استغلال كل برميل نفط يتم توفيره استغلالا أمثلا بتصديره أو توجيهه إلى الصناعات التكريرية والتحويلية. الجدير بالتنويه أن التحرر من النفط لا يعني انكماش صناعته، ولا يوجد في اعتقادي أي تعارض بين تنويع مصادر الدخل والتوسع في صناعة النفط بأقسامه الرئيسة الـ3، وهي صناعة المنبع والوسيطة والمصب. فصناعة النفط ليست حكرا على استخراجه فقط، بل أرى أن التركيز على ما بعد صناعة المنبع، خاصة صناعة المصب خيار إستراتيجي مهم ومجد اقتصاديا على المدى البعيد.