العمل متعدد الأطراف في القرن الـ 21
الاستثمار في الثورة الصناعية المقبلة: من الحوسبة الكمية إلى تكنولوجيا النانو، ومن الاندماج النووي إلى الواقع الافتراضي، ومن اللقاحات الجديدة إلى العلاج الجيني. فالابتكارات تتسارع وتيرتها، وتحوِّل أسلوب حياتنا وعملنا. ولننظر إلى الذكاء الاصطناعي. فبإمكانه إعطاء دفعة قوية للإنتاجية والنمو في كل مكان. وأنا مندهشة على وجه الخصوص بقدرته على تقليص الفجوات في رأس المال البشري في العالم النامي، ما يساعده على اللحاق بركب مستويات الدخل في الاقتصادات المتقدمة.
لكنه لا يخلو من الأخطار. وتبين دراسة بحثية أجراها الصندوق أن نحو 60 % من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة يمكن أن يتأثر بالذكاء الاصطناعي. وبينما قد ينتفع نصف هذه الوظائف من أدوات الذكاء الاصطناعي، فإن النصف الآخر قد يندثر ببساطة. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع البطالة وانخفاض الأجور، وقد حذر كينز نفسه من هذا عندما كتب عن "البطالة التكنولوجية".
ومن الواضح أننا بحاجة إلى ما يضمن تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية. وبدلا من الزيف العميق والمعلومات المضللة، نرغب في تحقيق انفراجات علمية وطبية وإنتاجية. ونريد من الذكاء الاصطناعي وضع حد لعدم المساواة وليس زيادته.
ويجب على البلدان أن تبدأ في الاستعداد الآن عن طريق تكثيف الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتوسيع نطاق الاستفادة من إعادة التدريب واكتساب المهارات الجديدة. ونحن بحاجة أيضا إلى مبادئ عالمية للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي -آليات للحماية- للحد من الأخطار وتعظيم الفرص للجميع.
كما يجب الاستثمار في البشر: هنا تُجنى أعظم الثمار، بالاستثمار في الصحة والتعليم وفي شبكات أمان اجتماعي أقوى، ومن خلال التمكين الاقتصادي للمرأة. ويكمن هذا في صميم تراكم رأس المال بشكل أفضل وأكثر إنصافا.
والاستثمار في هذه المجالات الرئيسة -أي المناخ والتكنولوجيا والبشر- يتسم بأهمية بالغة. ولكن مرة أخرى، لا يمكن أن تتكلل جهودنا بالنجاح دون التعاون الدولي.
كان كينز بوصفه أحد مؤسسي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد ساعد العالم على استخلاص الدروس الصائبة من الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية. فبدلا من اعتماد البلدان سياسات منغلقة يمكن أن تؤدي إلى وقوع الأزمات والصراع، ينبغي أن تعتمد على إطار جديد للتعاون الدولي. وقد أصبحت هذه الرؤية واقعا ملموسا -العمل متعدد الأطراف في القرن العشرين- الذي أفدنا منه كثيرا.
والآن يجب علينا تحديثه لمواكبة عصر جديد. لننظر كيف يمكن للعمل متعدد الأطراف في القرن الـ21 أن يصبح أكثر انفتاحا للفكر الجديد وأكثر تمثيلا، مع تحقيق توازن أفضل بين الاقتصادات المتقدمة وأصوات اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ولننظر في إمكانية قيامنا بتحديث المؤسسات متعددة الأطراف، بما فيها صندوق النقد الدولي.
ولقد عكفنا على مدى العقود الماضية على بناء قوتنا المالية، ونطاق عملنا، وطابعنا الخاص. واستطعنا منذ تفشي الجائحة فقط أن نضخ نحو تريليون دولار في هيئة سيولة وتمويل لبلداننا الأعضاء البالغ عددها 190 بلدا. واستحدثنا برامج للتمويل الطارئ والتخفيف المباشر لأعباء الديون لخدمة أفقر بلداننا الأعضاء. وينطوي عملنا حاليا في مجال الاقتصاد الكلي على التركيز على قضايا المناخ والمساواة بين الجنسين والعملة الرقمية.
وأظن أن كينز كان سيروقه ذلك ويشجعنا على بذل مزيد من الجهد لنكون "خط نقل" عالميا لإمدادات السياسات الاقتصادية السليمة، والموارد المالية، والمعرفة، ومنصة طرفية لتجميع سبل التعاون الاقتصادي العالمي.
ودون التعاون لا يسعنا أن نحقق عالما أفضل. وفي هذه النقطة الأهم على الإطلاق، كان كينز محقا مرة أخرى. وربما أفضل ما نتذكره به هو ما كتبه في 1923: "على المدى الطويل، سنكون جميعا في عداد الأموات". وكان يقصد بذلك أنه بدلا من انتظار قوى السوق لكي تصلح الأمور على المدى الطويل، ينبغي لصناع السياسات السعي إلى حل المشكلات على المدى القصير.
وتلك كانت دعوة للعمل، ورؤية لشيء أفضل وأكثر إشراقا. وإنها دعوة أعتزم الاستجابة لها، أن أضطلع بمسؤوليتي من أجل تحقيق مستقبل أفضل لأحفادي. والمهم هنا، كما قال كينز في 1942، "على المدى الطويل كل شيء تقريبا يصبح ممكنا".