ما الذي يغذي النمو الآسيوي؟ وماذا يعني ذلك لبقية العالم؟
كان صعود آسيا من بين أكثر روايات العولمة ديمومة، كان "فجر القرن الآسيوي"، كما وصفه كيشور محبوباني، رئيس معهد الأبحاث الآسيوية في سنغافورة، قادما منذ وقت طويل.
في الماضي، هيمنت اقتصادات النمور الآسيوية -اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة- على قصة النمو الآسيوي، وفي مطلع القرن الحالي كانت الصين في المقدمة. واليوم، تبرز الهند وفيتنام وإندونيسيا لاعبين مهمين في الاقتصاد الإقليمي وسلاسل القيمة العالمية، وفقا لـ "المنتدى الاقتصادي العالمي".
تمر آسيا الآن بمنعطف حاسم يجتمع فيه التقدم الذي تحقق في العقود القليلة الماضية ليضيف فصلا جديدا إلى تاريخ المنطقة. من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الهندي 6.8 % هذا العام. ويتفوق الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للهند على نظيره الياباني بحلول 2025، وعلى ألمانيا بحلول 2030، لتصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم بناتج محلي إجمالي يصل إلى سبعة تريليون دولار. ومن المرجح أن تنمو تجارتها الخارجية أكثر من 393 مليار دولار على مدى العقد المقبل. كما تبرز بوصفها دولة رائدة في تطوير البنية التحتية الرقمية. ويعد نظام الهوية الحيوي "آدهار" هو الأكبر في العالم.
في مايو، أضاف صندوق النقد الدولي 0.4 نقطة مئوية إلى توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين في 2024 ليصبح 5 %. وحتى لو تباطأ النمو إلى 3 %، فإن الناتج المحلي الإجمالي الصيني لعام 2030 سيظل أعلى بنحو خمسة تريليونات دولار مما كان عليه في 2022. وبوصفها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تواصل الصين إعادة تعريف المعايير العالمية ودفع حدود الصناعات العالمية المبتكرة، مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والاقتصاد الرقمي.
من المتوقع أن تنمو التجارة بين دول رابطة جنوب شرق آسيا "آسيان" 1.2 تريليون دولار على مدى العقد المقبل. وبحلول 2031، من المتوقع أن ترتفع صادراتها 90 % مقابل نمو إجمالي للتجارة العالمية يقل عن 30 %.
تشهد آسيا عصرا من زيادة الاتصال والتعاون داخل المنطقة. تنقل الشركات العالمية والشركات متعددة الجنسيات في شرق آسيا بما فيها الموجودة في الصين، التصنيع والتوريد إلى جنوب شرق آسيا. وترتبط هذه الدول ارتباطا جيدا مع بعضها وبالأسواق الرئيسة حول العالم، ما هيأ فرصا للشركات لبناء سلاسل إمداد متكاملة والاستفادة من الأسواق في جميع أنحاء المنطقة.
وتعزز هذا التغيير الاتفاقيات التجارية الجديدة مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، واتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ التي يعني التصديق عليها أن المنطقة تتمتع بإمكانية وصول تجاري تنافسي مع الدول التي تمثل مجتمعة أكثر من 40 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وأصبحت آسيا أيضا مركزا للتكنولوجيا والابتكار العالميين. بحلول 2030، من المتوقع أن تكون إيراداتتها من التكنولوجيا المالية أكبر من إيرادات أمريكا الشمالية. كشف استطلاع أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية، شمل 21 ألف مستهلك من 21 دولة، أن المستهلكين الآسيويين يميلون إيجابيا نحو الذكاء الاصطناعي أكثر من المستهلكين في الغرب.
لكن لا تزال القصة الآسيوية تتسم بالتناقضات. تواجه المنطقة تحديات عادة تكون أكثر شدة من بقية العالم، 50 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية تأتي من منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتعد ميانمار والفلبين وفيتنام وتايلاند من بين أكثر الدول تضررا من تغير المناخ في الـ20 عاما الماضية. ومن المتوقع أن يتعرض 37 % من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة آسيان للخطر إذا ارتفعت الحرارة 3.2 درجة مئوية.
لا يزال الشمول المالي يشكل تحديا أيضا، إذ إن ما يقارب 44 % من البالغين في منطقة آسيان لا يتعاملون مع البنوك. لكن ما يجعل آسيا اليوم مختلفة عن الماضي هو مخزون الحلول المبتكرة القابلة للتطوير، لمواجهة هذه التحديات. من المتوقع أن تحقق آسيا 43 % (4.3 تريليون دولار) من فرصة الإيرادات البالغة 10.1 تريليون دولار المتاحة بحلول 2030 من أنشطة مثل التوسع في مجال الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة في المباني، والنقل، والزراعة.