من غرفة روميرو بتكساس إلى بوليفارد الرياض .. مستقبل الألعاب الإلكترونية تقوده السعودية
تبدو من الخارج مجرد غرفة عادية، لكن بمجرد فتح الباب تجد نفسك في عالم مدهش، أرفف مكدسة بألعاب فيديو بلغ عددها 24 ألف لعبة، حيث مئات من وجوه المشاهير التي تغطي الأغلفة الخارجية لتلك الأشرطة الصلبة والأقراص الدائرية، بداية من مايكل جاكسون وصولا إلى ليونيل ميسي، طفولة أجيال جسدت لديهم كل لعبة حنين إلى ذكريات صباهم، هكذا أضحت غرفة أنطونيو روميرو مونتيرو من ولاية تكساس الأمريكية، حامل لقب موسوعة غينيس كأكبر مقتني لمجموعة ألعاب فيديو في العالم، وباتت تقدر قيمتها بنحو 1.6 مليون دولار.
قادت لعبة "سيجا" شغف روميرو منذ 1987 إلى اقتناء كل تلك الألعاب، إذ باتت غرفته الأجمل لكل محبي الألعاب الإلكترونية خاصة وأنها تضم ذكريات ومشاعر مختلطة لتاريخ يتجاوز 8 عقود، وتحديدا منذ 1961 حين أطلقت شركة ديجتال إكوبمينت لعبة "سبيس وار".
تضمنت اللعبة شخصان كل واحد يتحكم في مركبة فضائية ويطلقان الصواريخ على بعضهما البعض، رغم بدائيتها لكنها كانت مفتاح لعالم سيتسع مع التطور التكنولوجي، فيما ظهرت لعبة "جان فايت" 1973 التي استخدمت لأول مرة المعالجات الدقيقة بمقاييس هذا العصر.
استيقظ الوحش الياباني بعدها بعام، من خلال شركة "نينتندو" التي أحدثت ثورة خاصة بتطوير الألعاب الإلكترونية، وكانت باكورتها لعبتي "دونكي كينج" وماريو" والأخيرة جذبت الملايين من المستخدمين حول العالم للدرجة التي أدت إلى بلوغ مبيعات الشركة 800 مليون جهاز خلال 30 عاما فقط.
في الشرق الآخر، قصة مختلفة تماما وسط حوائط ضيقة متهالكة يغطيها لاصق بلاستيكي يحمل صور مارادونا وبيليه، حيث يقضي الكبار والصغار ساعات طويلة، آملين ألا تتعطل الأجهزة أو الأسطوانات، بجوار تلفاز صغير وتحت إضاءات خافتة في مشهد بسيطا بجميع تفاصيله، يجسد معظم العواصم العربية في منتصف تسعينيات القرن الماضي بداية من الرياض والقاهرة ووصولا إلى باريس ولندن.
تلك الوحدة الثقافية قبل انتشار مفهوم العولمة، يعود الفضل فيها إلى شركة "سوني" التي أحدثت طفرتها حين قدمت للعالم في 3 ديسمبر 1994 أول جهاز بلايستيشن، وبعيدا عن سعره المتوسط حينها 300 دولار، فالأهم ما احتواه من تقنيات جديدة.
وتمكنت الشركة اليابانية من استبدال الأنظمة القديمة في الألعاب بالأقراص المدمجة "سي دي روم"، ما أدى إلى سهولة أكثر في وحدة التحكم وسعة تخزين أكبر، وهو ما استقطب جميع مطوري الألعاب، وانعكس ذلك على مبيعات الجهاز الجديد الذي اشتراه 100 مليون شخص ليصبح الأكثر مبيعا في عام تصنيعه.
تربعت "سوني" على عرش الألعاب الإلكترونية طيلة التسعينيات، وفي بداية الألفية الثانية قدمت النسخة الثانية من "البلايستيشن" وقد وصلت مبيعاته 150 مليون وحدة عالمية، ما جعل اليابان في 2002 تسيطر على 50 % من سوق الألعاب الإلكترونية، وتزامن ذلك مع انتشار الألعاب الحربية الأمريكية بقوة.
رغم انتشار الهواتف الذكية وما تحويه من إمكانات، ظل "الفيديو جيم" له مكانته، ومستفيدا من كل التقنيات الحديثة ويدلل على ذلك "بيس فور" الذي تم إطلاقه في 2013 وبيع منه 10 مليون وحدة قبل انقضاء عام طرحه.
في 2016 باعت صناعة الألعاب الإلكترونية أكثر من 24.5 مليار لعبة بعائدات بلغت 30.4 مليار دولار، كما وفرت فرص عمل لأكثر من 220 ألف شخص داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبجانب هذا التأثير الاقتصادي كان التأثير الثقافي أكبر، إذ وحدت الألعاب بين الروسي والأمريكي والسعودي والفرنسي، فالجميع يلعب نفس اللعبة ويستخدم نفس الأدوات وله تفضيلات بعينها.
انعكاس ذلك واضحا على قطاعات أخرى، فالأفلام السينمائية المأخوذة عن ألعاب مثل فيلم "لار كروفت" حقق 274 مليون دولار في 2001، ولم تكن الموسيقى بعيدة عن هذا السياق إذ باتت تقدم بشكل منفصل وتحقق أرقاما خرافية أيضا.
هذه الخريطة المتكاملة بجميع الأبعاد الاقتصادية والثقافية والترفيهية، كانت أمام السعودية وهي تطلق إستراتيجيتها الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية في 2022، مستهدفة استثمار يعزز نمو الفرص الوظيفية.
كما تسهم في تنويع الاقتصاد، خاصة بعد أن وصل عدد عشاق ألعاب الفيديو من السعوديين إلى 23.5 مليون شخص في 2023، أما اللاعبين المحترفين فتجاوزوا 100 لاعب، فيما وصل سوق الألعاب داخل المملكة 3.75 مليار ريال وسط توقعات بأن يصل إلى 10 مليارات دولار في 2026، ومساهمة تصل إلى 50 مليار ريال في 2030.
ومن خلال الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية، أطلقت السعودية الدوري السعودي الإلكتروني في 2022 بجوائز وصلت 5 ملايين ريال وشارك فيه أكثر من 400 لاعب، إضافة إلى "موسم الجيمرز" في نفس العام وقد لاقى نجاح كبير بمشاركة 113 فريق ومجموع جوائز وصل 15 مليون دولار، ناهيك عن الاستحوذات في الصناعة نفسها مثلما حصل مع شركة ألعاب "سكوبلي" التي استحوذ عليها صندوق الاستثمارات العامة بقيمة 5 مليارات دولار.
وكما أحدثت "نينتندو" الطفرة في السبعينيات وأكملت "سوني" ثورتها حتى مطلع الألفية الثانية، جاء دور السعودية التي تولت مسؤولية مستقبل الترفيه، فخلال 2023 أسست الهيئة السعودية للألعاب الرياضية، بالتزامن مع إعلان شركة القدية أول منطقة للألعاب الإلكترونية تبلغ مساحتها أكثر من 500 ألف م2 ومحاطة بكل أنواع الخدمات من وحدات ومطاعم.
لم يكن ذلك سوى تمهيدا للطفرة التي ينتظرها العالم في الفترة من 3 يوليو المقبل وحتى 25 أغسطس، وهي الفترة التي تشهد تنظيم أول بطولة كأس عالم للرياضات الإلكترونية بالرياض، وبجوائز هي الأكبر من نوعها إذ تبلغ 60 مليون دولار يتنافس عليها 30 فريقا عالميا وأكثر من 1500 محترف.
وستتحول الرياض بذلك إلى "عاصمة الرياضات الإلكترونية" التي سيصاحبها كثير من الفعاليات والحفلات الفنية والمسرحيات ضمن حدث تاريخي ممتع في البوليفارد لمدة شهرين لعشاق القطاع الرياضي وقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية حول العالم، في مشهد تصوره ولي العهد وهو يعلن عن البطولة قبل 8 أشهر وسط حضور إنفانتينو رئيس الفيفا والنجم البرتغالي رونالدو.