مؤتمر بريتون وودز وصلاحيات البنوك المركزية

عقب 50 عاما من مؤتمر بريتون وودز، وصف مدير عام الصندوق "ميشيل كامديسو" أزمة البيزو المكسيكي بأنها "أول أزمة مالية في القرن الحادي والعشرين". وجاءت في أعقاب طفرة غير مسبوقة من تدفق الأموال إلى الدول متوسطة الدخل. وكانت أزمة 1994 مختلفة تماما عن صدمة أمريكا اللاتينية في 1982 التي بدأت أيضا مع حدوث مشكلة مكسيكية. 
ففي هذه المرة كانت هناك قاعدة متنوعة من حائزي السندات المكسيكية الأجانب، وليس مجرد عدد محدود نسبيا من البنوك؛ حيث استجابت سريعا لتكثف مشاعر القلق إزاء فورة النشاط الاقتصادي وحالة عدم الاستقرار السياسي، في أعقاب اندلاع انتفاضة عنيفة واغتيال شخصية سياسية بارزة خلال عام الانتخابات الرئاسية. ولم يكن بالإمكان حشد أعداد الدائنين الكبيرة لتوفير قروض جديدة. وظل الحل الواضح، المتمثل في إنشاء آلية لإشهار الإفلاس السيادي، ربما يتولى الصندوق تنسيق عملها وتنفيذها، بعيد المنال. ولم يتبق سوى اللجوء إلى ثاني أفضل منهج ممكن، بتوفير قروض جديدة بمبالغ كبيرة؛ حيث استمر هذا المنهج يشكل الفلسفة السائدة للاستجابة للأزمات الناجمة عن تقلب تدفقات رأس المال. 
وتم حل تلك الأزمة المحددة جزئيا عن طريق برنامج اقتصادي وضعه الصندوق، ولكن الصندوق بمفرده لم يكن يملك الموارد الكافية كي يتصرف ببساطة كمقرض الملاذ الأخير. واستلزم الوضع في المكسيك كذلك الحصول على حزمة دعم ثنائي كبيرة من الولايات المتحدة، في هيئة ائتمان بمبلغ 20 مليار دولار من "صندوق تثبيت سعر الصرف"، وهو جهاز من حقبة الكساد ظل منسيا إلى حد كبير ويتمتع بخاصية ملائمة تسمح للإدارة الأمريكية بتجنب شرط الحصول على الموافقة من الكونغرس المعارض. وكانت عملية الإنقاذ مثيرة للجدل، وذهب بعض صناع السياسات إلى أنه لم يكن من الملائم أن يقوم الصندوق بإقراض بلد ما لتجنب وقوع أثر معاكس على بلد آخر.
وأفرزت فترة منتصف التسعينيات اعترافا بأنه في ظل حجم أسواق رأس المال، لن تكون آليات الإنقاذ التقليدية كافية على الأرجح. وتعزز هذا الدرس مع وقوع الأزمة الآسيوية في 1997-1998، عندما اقتضت كل حزم الدعم وجود مزيج من تمويل الصندوق والتمويل الثنائي. 
وتم إيضاح التبعات على مستوى السياسات في اجتماع يونيو 1995 لرؤساء دول مجموعة السبعة الذي عقد في مدينة هاليفاكس الكندية، الذي كان يسعى إلى إعادة تعريف مهام صندوق النقد الدولي في ضوء ما كان على وشك أن يعرف عموما باسم العولمة. ودعا البيان الصادر عن القمة إلى قيام الصندوق بوضع مقاييس مرجعية واتخاذ إجراءات من أجل نشر أهم البيانات الاقتصادية والمالية في الوقت المناسب. واستجاب الصندوق لتلك الدعوة بإنشاء إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في 2001 التي كان الغرض منها "القيام بدور محوري في العمل المفاهيمي الذي يضطلع به الصندوق"، إضافة إلى نشر "تقرير الاستقرار المالي العالمي" الجديد الذي يصدر مرتين سنويا.
وبدءا من التسعينيات، لم تعد هناك قاعدة واضحة وبسيطة، ولم تعد هناك مؤسسة واحدة تحتل الصدارة من إدارة المخاطر الدولية. وأصبحت إدارة أعمال الرقابة وإدارة الأزمات على السواء موكلة إلى مؤسسات متعددة، مع تداخل المسؤوليات بينها وتعدد مصادر حصولها على القروض الجديدة. وقد اعتمد الصندوق في رقابته على القطاع المالي المنهجيات التي وضعتها لجنة بازل لهيئات الرقابة المصرفية، وهي مجموعة لا تمثل مبدئيا سوى الدول الصناعية. وفي آسيا، أنشأت رابطة أمم جنوب شرق آسيا "آسيان" آلية تكميلية موازية لأعمال الرقابة. 
لكن كانت هناك حاجة لمزيد من جهود التنسيق. واستجابة للأزمة الآسيوية تم إنشاء منتدى الاستقرار المالي FSF، وفي 2009 تم تعزيز هذه المجموعة وأعيد تسميتها إلى مجلس الاستقرار المالي FSB.
 وأصبح جهاز الإنقاذ ممثلا في شبكة الاستقرار المالي العالمي، مع قيام عديد من مقدمي الخدمة بالعمل من خلال ترتيبات التمويل الإقليمية. وكررت قمة مجموعة العشرين في لندن 2009 تحركا حاسما سبق أن اتخذه مؤتمر بريتون وودز وذلك بنقل السلطة من البنوك المركزية التي تولت إدارة منتدى الاستقرار المالي إلى مجموعة أوسع من الحكومات في مجلس الاستقرار المالي الجديد. 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي