هل تتحول السعودية إلى وجهة مفضلة للأثرياء؟

تناولنا في المقال السابق التقلبات الكبيرة التي تشهدها الملاذات التقليدية لأصحاب الثروات والصعود السريع للوجهات الجديدة، وسنتناول اليوم كيف يمكن للسعودية -أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط- التحول لواحدة من أهم الدول الجاذبة للأثرياء، فحالة الانتعاش الاقتصادي التي تعيشها بفضل رؤية 2030 والعلاقات الاقتصادية القوية مع مختلف الدول تجعلها في مكانة مهمة للمستثمرين، إضافة إلى التطورات التي تشهدها البيئة التنظيمية، الهادفة لتحويلها إلى مركز مالي وتجاري وثقافي عالمي، بجانب الأداء القوي في السوق المالية السعودية، التي أصبحت واحدة من أهم الأسواق النشطة في العالم، كل تلك العوامل تجعلها في مرحلة متقدمة للعب دور عالمي في مجال جذب الثروات.
ووفقًا لمؤسسة هنلي آند بارتنرز (Henley & Partners) فإنه من المتوقع أن تجذب السعودية في 2024 أكثر من 300 مليونير لتأتي بذلك في مقدمة الدول الواعدة الجاذبة للأثرياء، متفوقة على دول ذات باع كبير في المجال مثل موناكو وفرنسا ومالطا، وقد وصل عدد المليونيرات في السعودية بنهاية 2023 إلى نحو 58.3 ألف بمعدل نمو وصل إلى 35% في الفترة بين 2013-2023، وتأتي موجة هجرة الأثرياء العالمية بسبب ما أصاب أهم الوجهات العالمية من صعوبات اقتصادية أو توترات جيوسياسية لتخدم رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل عبر جذب الاستثمار الأجنبي، وقد بذلت السعودية جهود حثيثة على المستويات كافة، لتحقيق ذلك الهدف ولكنها مازالت تحتاج إلى مزيد من الجهد لسد الفجوات القائمة ومنافسة أهم المراكز العالمية.
البداية من عوامل تسهيل الانتقال مثل الإقامة، فقد استحدثت السعودية في يناير الماضي 5 أنواع من الإقامة المميزة بهدف جذب الكفاءات والمستثمرين والفاعلين في العالم، وشملت تلك التحديثات ما يعرف بـ"إقامة مالك عقار"، حيث يستلزم للحصول على الإقامة المميزة تملك عقار لا تقل قيمته عن 4 ملايين ريال (1.07 مليون دولار)، ولكن عند مقارنة حجم الرقم مع دول مجاورة يتضح أنه مرتفع، على سبيل المثال في الإمارات يتم منح الإقامة الذهبية لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد للأفراد الذين يشترون عقارا بقيمة 550 ألف دولار، وبالتالي فسيكون هناك حاجة لإعادة النظر في تلك القيمة لإعطاء جاذبية أكبر للسوق السعودية، الأمر الذي سيعود أيضا بالنفع على القطاع العقاري والمشروعات الجديدة.
وبالانتقال إلى العوامل الاقتصادية فتقع السعودية في مكانة مميزة، حيث تتمتع باقتصاد ذي إمكانات هائلة ومتنوع ومستدام، إضافة إلى المركز المالي القوي الذي يوفر الضمانات للأثرياء بتحويل واستقبال أموالهم بحرية ودون عوائق أو تضييقات، بجانب تحول السعودية إلى واحدة من أنشط أسواق المال في العالم في مجالات الاكتتابات وصفقات الدمج والاستحواذ وغيرها من الأنشطة المالية، الأمر الذي يوفر للأثرياء محافظ استثمارية يستطيعون الدخول فيها وتنمية ثرواتهم، إضافة إلى الحوافز المالية والضريبية التي يحصل عليها أصحاب الثروات، بجانب توافر المراكز المالية وفي مقدمتها مركز الملك عبدالله المالي في مدينة الرياض الذي أصبح من أهم الوجهات الإقليمية لكبرى الشركات العالمية، ولكن قد تكون السعودية في حاجة للتوسع في إنشاء المراكز المالية الحرة التي تكون الوجهة الأساسية للأثرياء لإنشاء شركاتهم، التي تكون عادةً في شكل شركات ذات أغراض خاصة (SPV)، ويفضل الأثرياء ذلك النوع من المراكز، لأنه يوفر لهم بيئة خاصة وحوافز مالية وضريبية كبيرة.
العامل الآخر الذي يركز عليه الأثرياء هو مدى ملاءمة الدولة التي ينوون الانتقال إليها لنمط حياتهم سواء من حيث جودة وتوافر الخدمات مثل التعليم والصحة والترفيه والأمن، إضافة إلى عوامل أخرى مثل التنوع الثقافي، وقد قطعت السعودية في الأعوام الأخيرة شوطًا كبيرًا في تحقيق الانفتاح على العالم، وتبرز الفعاليات التي تشهدها مدينة الرياض وتدفقات السياحة العالمية للسعودية على عملية التحول، وتبدو المدن الجديدة التي تشيدها السعودية مثل نيوم الوجهة المثالية للأثرياء، حيث توفر كل المزايا التي يحتاجون إليها، مثل البنية التحتية المتطورة ونمط الحياة.
ختامًا فإن السعودية أصبحت تقف في وضع ملائم للتحول إلى مركز إقليمي وعالمي لجذب الأثرياء نظرًا للإمكانات الكبيرة التي تملكها والتطورات المستمرة في بيئتها التشريعية والتنظيمية، ولكنها تحتاج إلى مزيد من الجهد والتطوير المستمر الذي يمكنها من منافسة أهم الملاذات العالمية.

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي