الجامعات العربية تدخل عصر الإنتاج الكمي للأبحاث العلمية

أمامي إحصائية عن كمية الأبحاث العلمية المقيمة التي جرى نشرها في الدول المختلفة على مستوى العالم في عام 2023 وبينها الدول العربية. والأرقام عادة لا معنى لها ما لم نضعها في سياقها.

وهاكم مثالا واحدا. العامل الذي يحصل على دخل شهري يوازي 300 دولار من حيث القوة الشرائية قد يعيش رغدا في كثير من الدول الإفريقية أو الآسيوية، بينما إن كان الدخل الشهري لعامل في السويد يوازي 300 دولار، فإنه لا يعد فقيرا معدما وحسب بل لن يكون في إمكانه البقاء على قيد الحياة.

الأرقام التي أمعن النظر فيها ليست متقاربة. هناك بون شاسع بين بلد وآخر. عدد الأبحاث العلمية المقيمة التي نشرها العلماء في الولايات المتحدة والصين بالملايين في 2023.

هناك 14 دولة في العالم يتجاوز عدد الأبحاث العلمية المقيمة التي نشرتها جامعاتها ومراكز الأبحاث فيها سقف المليون. هذه الدول إما أنها تملك ناصية العلم والمعرفة ومن ثم تطوّع الإنتاج العلمي لأغراض تطبيقية نفعية، أو أن بعضها في طريقه للوصول إلى القمة والبحث العلمي بالنسبة إليه ما هو إلا وسيلة لبلوغها.

بالطبع عند قولي إن الجامعات العربية تدخل عصر الإنتاج الكمي لا أعني أنه صار باستطاعتها منافسة الدول المتقدمة بالنشر العلمي. ما أعنيه أن مقاربة ومقارنة الأرقام مع السنين السابقة -قبل خمس أو عشرة أعوام- فإن كم البحث العلمي المقيم والمنشور في الدول العربية شهد قفزة كبيرة.

كانت الأبحاث المنشورة قبل هذه الفترة بعشرات الألاف في الدول العربية التي تتألف من 22 بلدا. الأن صرنا نتحدث عن مئات الآلاف، ولكن بالكاد تعبر نصف عدد الأصابع في اليد الواحدة.

هناك هوة كبيرة بين دول مثل السويد مثلا والدول العربية، أي بين ما تنتجه الجامعات ومراكز الأبحاث في السويد وبين ما تنتجه الجامعات ومراكز الأبحاث العربية.

السويد بعدد سكانها البالغ عشرة ملايين نسمة تنتج أكثر من 800 ألف بحث علمي مقيم. الدول العربية بعدد سكان يقترب من نحو نصف مليار بشر بالكاد تنشر ربع ما تنشره السويد.

قد يتسأل القارئ الكريم عن سبب الهوة الساحقة بين السويد -وهي مجرد مثال واحد- والدول العربية في نطاق النشر العلمي. جوابي المختصر حاليا هو أن فرق السياق الذي يعمل فيه الأستاذ الجامعي والباحث العلمي في السويد وبين أقرانهم في الدول العربية مثل الفرق بين الأرض والسماء. قد نخصص مقالا منفردا لإلقاء الضوء على ما يجعل دولة مثل السويد تنتج تقريبا ثلاثة أضعاف ما تنتجه الدول العربية برمتها من الأبحاث العلمية المقيمة.

ولكن ما يقلق المرء ليس الكم رغم أهميته. الأرقام لا تثير الفزع، في رأيي المتواضع، رغم البون الكبير الذي يراه كثيرون محبطا. ما يثير أكثر من علامة استفهام هو مدى الاستفادة أو المنفعة التطبيقية من نشر البحث العلمي.

يعد البحث العلمي في السويد والدول المتقدمة عماد التطور الصناعي والتكنولوجي والأساس الذي عليه يتكئ التطور والنمو ليس في حقل المعرفة بل حتى في حقول الخدمات العامة.

لا أستطيع الجزم، ولكن هناك خشية كبيرة من أن أغلب الأبحاث العلمية التي تنتجها الجامعات ومراكز البحث العلمي العربية لا ترى طريقها إلى التطبيق في بلدانها. هناك خطورة كبيرة هنا، لأن إن لم تطبق في بلدانها فما فائدتها؟

والملاحظ أن أغلب الأبحاث التي تنشرها الجامعات ومراكز الأبحاث العربية هي باللغة الإنجليزية وفي مجلات أجنبية، ما يعنى أن الشركات الأجنبية قد تتلقفها إن رأت في نتائجها منفعة لتعزيز مكانتها وتطوير وتحديث السلع التي تنتجها أو تقديم سلع أو خدمات جديدة استنادا إلى ما توصلت إليه هذه الأبحاث من نتائج.            

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي