أخطار العالم .. على الجميع مواجهتها
يواجه العالم اليوم 34 خطرا رئيسا، طبقا لتقرير "المنتدى الاقتصادي العالمي WEF" السنوي الـ19، حول "الأخطار على العالم"، الصادر هذا العام 2024. وتشمل هذه الأخطار: 9 أخطار اقتصادية، و6 بيئية، و5 جغرافية - سياسية، و8 اجتماعية، و6 تقنية. وتجدر الملاحظة هنا إلى حقيقة أن هذا التقسيم لا يعني وجود حدود صارمة بين هذه الأقسام، بل إن هذه الأقسام متداخلة، لكن التصنيف مفيد في طرح الأفكار ومعالجتها، ويتم على أساس العامل الأكثر تأثيرا في هذا الخطر أو ذاك. فخطر البطالة على سبيل المثال، مصنف، في التقسيمات المطروحة، على أنه خطر اجتماعي، رغم الآثار التقنية والاقتصادية وغيرها فيه، والسبب هو أن الجانب الاجتماعي هو الجانب الأكثر تفاعلا معه.
يستند التقرير إلى دراسة مسحية لآراء نخبة من الخبراء حول العالم، يطلب منهم تحديد أولويات أهمية الأخطار على مستوى العالم بأسره من جهة، وعلى مستوى الدول المختلفة من جهة أخرى. وفي مثل هذه الدراسة، من الناحية العلمية، جانبان جانب إيجابي وآخر سلبي. في الجانب السلبي، يمكن القول إن الآراء المعطاة في الدراسات المسحية أقرب إلى الانطباعية منها إلى الموضوعية لأنها غير مدروسة بالأسلوب العلمي المطلوب. أما في الجانب الإيجابي، فيمكن القول إن مصدر الآراء في الدراسة خبراء يتمتعون بالمعرفة والخبرة التي تؤهلهم لإعطاء آراء تتمتع بمستوى مرتفع من الموثوقية، فضلا عن حقيقة أن حصيلة هذه الآراء، المأخوذة في الحسبان كنتائج، تعتمد على عدد كبير من الخبراء، وليس على عدد قليل منهم. ومن هذا المنطلق، تستحق نتائج التقرير أن تؤخذ في الحسبان كمعطيات مهمة، في النظر إلى المستقبل، وفي دراسات استشرافية تحليلية، للاستعداد لمواجهته.
هناك ثلاثة أبعاد رئيسة فيما يعرضه التقرير من نتائج لدراسته المسحية. في البعد الأول يتم استعراض جميع الأخطار الـ 34 المحددة، على مستوى العالم، في إطار مبدأ أولويات أهميتها، على مدى العامين القادمين. وفي البعد الثاني، يتم استعراض جميع الأخطار على مستوى العالم، وفي إطار المبدأ ذاته أيضا، لكن على مدى السنوات العشر القادمة. أما في البعد الثالث، فيتم استعراض أهم خمسة أخطار على مستوى الدول، وقد بلغ عدد الدول التي جرى تحديد أخطارها الخمسة 113 دولة بينها دول الخليج الست.
ولعل من المناسب، في سبيل إلقاء مزيد من الضوء على الأخطار المطروحة، تقديم بعض الأمثلة التي تتمتع بأهمية عالية، على مستوى العالم، على مدى العامين القادمين، وذلك تبعا لطبيعتها المبينة في تقسيمات الأخطار. الخطر الأول، الأكثر أهمية اقتصاديا، هو خطر التضخم، وما يرتبط به من انخفاض للقوة الشرائية للعملة المتداولة، وارتفاع للأسعار بما يتجاوز إمكانات قطاع واسع من الناس. والخطر الأول بيئيا هو خطر "الطقس القاسي" الذي يسبب خسائر في الأرواح والممتلكات.
أما الخطر الأول من حيث الجغرافيا - السياسية، فهو خطر "الصراع المسلح بين الدول" الناتج عن اختلافات في سياساتها الذي يؤدي عادة إلى مآس إنسانية لا حدود لها. والخطر الأول اجتماعيا هو "الاستقطاب الاجتماعي" الناتج عن ضعف الوعي الذي يقود إلى صراع بين أصحاب الثقافات المختلفة. والخطر الأول تقنيا هو خطر "التضليل المعلوماتي"، المقصود منه وغير المقصود. ولنا عودة إلى مناقشة مختلف مضامين بعض هذه الأخطار، في مقالات مقبلة بمشيئة الله.
ولدينا، في ختام هذا المقال، قولان. يرتبط القول الأول بالحاجة إلى دراسات علمية تحليلية تحاول استشرف المستقبل، ووضع الخطط اللازمة للاستفادة من معطياته الواعدة، وتجنب أخطاره المحتملة. ومن المهم، في هذا المجال، تعميم نتائج مثل هذه الدراسات في إصدارات توعوية يستفيد منها الجميع في الاستعداد لما هو مقبل في المستقبل. أما القول الثاني، فيتعلق بمبدأ التعاون في التعامل مع توقعات المستقبل الإيجابية منها والسلبية، وللتعاون هنا بعدان رئيسان: بعد محلي ضمن الوطن الواحد، وبعد دولي على مستوى العالم بأسره. والخلاصة المنشودة للجميع "اعقلها وتوكل".