نموذج ستارمر ومعالجة للمشكلات الاقتصادية

 

 يحمل الفوز الساحق الذي حققه حزب العمال في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة دروسا لأحزاب الوسط ويسار الوسط في أماكن أخرى. لكن هل يشكل هذا الفوز أي أهمية في الأمد البعيد؟ يتوقف هذا على قدرة رئيس الوزراء كير ستارمر على معالجة المشكلات الاقتصادية التي تعانيها بلاده، وهي مهمة عسيرة للغاية.

وتحمل عملية إعادة التأهيل السريعة التي أخضع لها ستارمر حزب العمال دروسا قيمة. عند توليه زمام الأمور من جيريمي كوربين في 2020، بعد أسوأ هزيمة مني بها الحزب منذ عام 1935، أكد ستارمر الاعتدال والسياسات المكرسة لتحسين الاقتصاد والخدمات العامة. يظهر انتصاره أن من الممكن الفوز في الانتخابات دون تطرف. فقد وعد بجعل الديمقراطية تعمل على نحو أفضل لمصلحة الجميع. إن تحويل مسار أي حزب أمر صعب. من منظور ستارمر، كان الأمر ينطوي على تهميش كوربين وتوضيح أن الشكل الذي يمارسه من تطرف أقصى اليسار لن يظل على الأجندة بعد الآن.

تحمل ستارمر أشهرا عديدة من الانتقادات الواسعة النطاق من جانب اليسار، لكنه تمسك بموقفه. الآن يأتي اختبار أشد صعوبة. تتوقف إمكانية استيراد انتصار حزب العمال في نهاية المطاف على ما إذا كان الحزب سيحقق ما وعد به، خاصة عندما يتعلق الأمر بإحياء النمو الاقتصادي. كان الأداء الاقتصادي في بريطانيا خلال السنوات الـ14 الماضية من حكم المحافظين مخيبا للآمال. فكان نمو نصيب الفرد في الدخل بطيئا، وفشل قادة البلاد في معالجة مشكلة الإنتاجية الواضحة، كان نمو الناتج لكل ساعة عمل ضعيفا مقارنة بنظيره في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

إدراكا منه لحقيقة مفادها أن الافتقار إلى الاستثمار العام والخاص يكمن وراء الإنتاجية الهزيلة وأداء تشغيل العمالة الضعيف في المملكة المتحدة، يقدم حزب العمال أفكارا سليمة لدفع عجلة التعافي الاقتصادي القوي. لكن لتمويل الاستثمارات العامة في الرعاية الصحية، والتعليم، والبنية الأساسية، والتكنولوجيا كما وعد ستارمر، ستحتاج الحكومة إلى زيادة عائداتها الضريبية. وعلى هذا فقد يحتاج ستارمر إلى التراجع عن وعد منفصل بعدم زيادة الضرائب على العاملين. إذا كان الأمر كذلك، فينبغي له أن يشير إلى حقيقة مفادها أن أي اقتصاد متقدم لن يتمكن من تحقيق نمو مستدام وديناميكي في غياب الإبداع.

ففي حين تمكنت دول مثل فيتنام والصين من الاستفادة من التكنولوجيات الناضجة والعمالة المنخفضة التكلفة، تفتقر الاقتصادات مرتفعة الدخل إلى هذا الخيار. ويتعين عليها إما أن تبدع أو تتخلف عن الحدود التكنولوجية العالمية. ورغم أن التخصص في الخدمات المالية من الممكن أن يقدم دفعة قوية، فإن الفوائد المترتبة على ذلك مؤقتة. وكما يظهر المثال البريطاني، فإن التحول إلى مركز مالي للأموال القادمة من النخب المتميزة الروسية، والدول النفطية، والمتهربين من الضرائب يجلب مجموعة من المساوئ المجتمعية. لكن الحديث عن الإبداع أسهل من وضعه موضع التنفيذ. فرغم تركيز الحكومة السابقة على الذكاء الاصطناعي، تتخلف بريطانيا عن الركب في سباق التكنولوجيا، ولن يكون أي كم من التركيز الحكومي كافيا لتحويل الأمور على نحو أشبه بالمعجزة. بل تحتاج المملكة المتحدة إلى استراتيجية متماسكة طويلة الأجل موجهة نحو إيجاد مكانة في اقتصاد الإبداع الأرحب.

يتطلب النجاح أكثر من مجرد سياسة صناعية عتيقة الطراز تدعم شركات أو قطاعات بعينها. ويتعين على حزب العمال أن يسوق الحجة الإنسانية للسماح بدخول اللاجئين، مع الوعد في الوقت ذاته بقدر أعظم من الشفافية والسيطرة على الهجرة في مجمل الأمر. سيكون إيجاد استراتيجية الاتصال الصحيحة والمبادئ السليمة في توجيه سياسة الهجرة أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة. بصفته شخصا عمل في وقت سابق كمحام في مجال حقوق الإنسان، وشغل منصب كبير المدعين، وتعامل مع قضايا تتعلق بالنظام العام، قد يكون ستارمر مؤهلا على نحو فريد لتحقيق النجاح الاقتصادي حيث فشل آخرون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي