كيف تسّعر الأسواق الأحداث؟
طالما قيل بأن الأسواق مرآة للاقتصاد، فمن الطبيعي عندما تكون الحالة الاقتصادية العامة جيدة لأي دولة فذلك ينعكس على أسواقها بمختلف مجالاتها، وحديثنا هنا مرتبط بسوق الأوراق المالية، فكثير ما يخطئ من يعتقد أن سوق الأوراق المالية هي انعكاس لما حدث أو يحدث! والصحيح أن الأسواق تتحرك وفقا لما سيحدث حسب ما تتوقعه من معطيات إيجابية أو سلبية، فالأسواق تسعّر الأحداث "التوقعات" وبالتالي تستبق بحركتها ما تتوقعه من أحداث ليس العكس، وهي ليست قاعدة عامة فالشركات تتأثر بالنتائج المفاجئة غير المتوقعة سلبا وإيجابا، لكن حديثنا هنا عن حركة السوق العامة التي تسعّر نفسها وفقا لما تتوقعه من أحداث.
وحتى يتضح المقصود بشكل أكبر فلنأخذ مثالا على الأسواق العالمية وتحديدا مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في السوق الأمريكية الذي يعد أكبر مؤشر على مستوى العالم، فقد كان المؤشر في اتجاه صاعد حتى آواخر 2021، وعندما بدأ التضخم داخل الولايات المتحدة يتفاقم حتى وصل لمستوى تاريخي عند9.1 %، كان لزاما على الفيدرالي رفع معدلات الفائدة التي تعد العدو اللدود لأسواق المال، لكن مؤشر ستاندرد لم ينتظر الفيدرالي لرفع الفائدة الذي بدأ في مارس من 2022، بل سعّرت السوق ردت فعلها من خلال حركتها الهبوطية منذ مطلع يناير 2022 أي قبل رفع الفائدة بنحو 3 أشهر, فقد خسر مؤشر ستاندرد أكثر من 13 % قبل البدء برفع الفائدة واستمر بالتراجع لأكثر من 25 % الذي بلغ ذروته في أكتوبر من العام نفسه، فحركة الأسواق في العموم تكون مبكرة وتعد استباقا للأحداث وليس نتيجة لها.
ومنذ أكتوبر 2022 دخل المؤشر بموجة صاعدة بقيادة شركات التكنولوجيا التي حققت نتائج إيجابية بدعم من طفرة الذكاء الاصطناعي، ولا يزال المؤشر يحقق أرقاما تاريخية جديدة مع توقع السوق باستمرار النتائج الإيجابية في القطاع التكنولوجي.
كذلك منذ مطلع العام الجاري والسوق الأمريكية تحديدا بمؤشراتها الثلاث (سباكس، ناسداك، الداو جونز) تحقق قمما تاريخية مع تراجع التضخم وتوقع بدء الفيدرالي الأمريكي لخفض الفائدة، فالسوق سعّرت من خلال حركتها الصاعدة خفض الفائدة على المدى القريب بشكل ضمني، وهو ما يعد إيجابيا لها، لكن ما يجهله البعض أنه ليس شرطاً أن ينعكس الإعلان عن أول خفض لمعدلات الفائدة حينها على الأسواق بالإيجاب! فالأسواق كما ذكرنا سابقا تتحرك بشكل مبكر وتستبق بحركتها الأحداث كما حصل من هبوط وتراجع قبل البدء برفع معدلات الفائدة.
والقصد هنا أن تعليق الآمال على ردة فعل الأسواق عند خفض أسعار الفائدة بشكل رسمي لن يكون لصالح المستثمر الذي لم يستوعب ديناميكية الأسواق, بل ربما تكون ردة الفعل معاكسة لما توقع, لأن ذلك سيعتمد على تسعير الأسواق لعدد مرات خفض الفائدة خلال العام الجاري, ففي الأسبوع الماضي كانت الأسواق تتوقع خفض الفائدة في سبتمبر المقبل بنسبة تزيد عن 92 %, بينما تراجعت هذه النسبة بشكل كبير هذا الأسبوع, وهذا يقودنا الى ضرورة متابعة توقعات الأسواق لقرارات الفيدرالي تجاه معدلات الفائدة, لأن الأسواق ستسعر ذلك مسبقاً من خلال حركتها حسب ما تراه إيجابا أو سلبا.
وختاما قد تتعرض الأسواق بين حين وآخر لبعض التذبذبات المفاجئة تأثرا ببعض الأخبار، لكنها سرعان ما تعود لاتجاهها الذي سعرته واختارته مسبقا.