الاقتصاد العالمي واضطرابات عدم اليقين

صدر قبل أيام قليلة عن صندوق النقد الدولي تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي. وآفاق الاقتصاد العالمي World Economic Outlook، واختصارا WEO تقرير يصدر مرتين سنويا في فصلي الربيع والخريف، وهو خلاصة تحليلات الصندوق حول أحدث التطورات الاقتصادية في العالم.

يرى الصندوق أن الاقتصاد العالمي في مأزق، وهو عنوان وضعه الصندوق في غلاف التقرير. ولا يتعارض ذلك مع كونه مستقرا بوجه عام وسط استمرار تضخم أسعار السلع الأولية والخدمات. وتشير التوقعات إلى عدم حدوث ما يغير من توقعات الصندوق المنشورة في فصل الربيع الماضي. وعلى رأس هذه التوقعات نمو الاقتصاد العالمي نموا غير قوي، بمعدلات تزيد قليلا على 3% في 2024 و2025.

يعمل العالم على مكافحة التضخم، لكن تضخم أسعار السلع الأولية والخدمات يقلل من التقدم المرجو نحو إبطاء معدلات التضخم. وهذا يزيد من احتمالات استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول مما كان متوقعا في بداية الرفع. ويشهد العالم شيئا من تنامي الاضطرابات التجارية وازدياد عدم اليقين إزاء السياسات. لذلك يرى الصندوق أنه ينبغي تنفيذ مزيج من السياسات اللازمة وفق تسلسل دقيق لتحقيق استقرار الأسعار وتعويض تراجع الاحتياطيات الوقائية


وبصفة عامة تواجه البنوك المركزية مشكلة في محاولات خفض التضخم. بين تفاؤل في كون مشكلات الاقتصاد العالمي أقل حدة مما كان متوقعا قبل عام مثلا، والاستمرار في سياسات تخفض التضخم ولو على حساب نمو الاقتصادات. باختصار، الأخبار السارة في جهة لا تعني بالضرورة أنها أخبار سارة في جهة أخرى. وقبول وفهم ذلك صعب جدا على أغلب البشر. ذلك أن الإنسان خلق هلوعا إلا من استثناهم الله سبحانه. وهنا من المهم جدا الإشارة إلى أن فهم مجريات الأمور بجوانبها المختلفة فهما جيدا مطلب.

ورغم ما سبق فإن النشاط الاقتصادي عالميا تحسن نسبيا مطلع هذا العام. ساعد على تحقيق ذلك نمو الصادرات من الدول الآسيوية، ولا سيما في قطاع التقنية. لكن هذا الكلام لا ينطبق على كل الدول الآسيوية. فاليابان شهدت صدمة سالبة في النمو الاقتصادي ويقف على رأس الأسباب حصول اضطرابات في الإمدادات بسبب إغلاق مصانع سيارات كبيرة. أما في الصين وكذلك أوروبا فهناك بوادر على تعاف اقتصادي.

ماذا عن أمريكا؟ ارتفاع التضخم في بداية العام تسبب في استمرار رفع الفائدة، وتأخير استعادة وتبني السياسات النقدية العادية. ونتج عن ذلك حصول انخفاض بسيط في النمو الاقتصادي. وارتفاع بسيط في الدولار، مقرون بتراجع بسيط في أسعار النفط. ومما أسهم في هذا التراجع البسيط مخاوف بشأن اقتصاد الصين، وقطاعات على رأسها العقار الصيني.

أما في اقتصادات الأسواق الصاعدة فإن بنوكها المركزية تواصل موقفها الحذر إزاء خفض أسعار الفائدة بسبب الأخطار الخارجية الناجمة عن التغيرات في فروق أسعار الفائدة وما يقترن بها من انخفاض أسعار عملات تلك الدول مقابل الدولار.

وفي الاقتصادات النامية بصفة عامة، هناك تفاوت في تبني السياسات. والتفاوت يتطلب نوع تعاون في إدارة أخطار تقلب العملات وتدفقات رأس المال


ماذا بشأن بلادنا السعودية، وهي من الدول ذات الاقتصادات الصاعدة؟ حققت بحمد الله أعلى نمو مقارنة بأغلبية مجموعة العشرين في العام الماضي وفي النصف الأول من هذا العام. ومتوقع أن يكون النمو في هذا العام أقل قليلا من النمو المحقق في العام الماضي. وهنا نقطة فيها سوء فهم. انخفاض النمو سببه الأول خفض متوقع في حجم إنتاج القطاع النفطي، المصدر خاصة، الذي يشكل نسبة كبيرة من حجم الاقتصاد. أما في بقية قطاعات الاقتصاد فمتوقع العكس، أي بقاء النمو على حاله أو زيادته.

النقطة السابقة تجر إلى حديث عن إشكال وسوء فهم في طريقة احتساب الناتج المحلي الحقيقي للقطاع النفطي خاصة. عبارة "الناتج المحلي الحقيقي" ليست دقيقة في التعرف على نمو أو انكماش اقتصاد تشكل فيه الموارد الطبيعية خاصة النفط نسبة كبيرة من الصادرات ومن الناتج المحلي، ومن إيرادات المالية العامة، خاصة مع تثبيت سعر الصرف.

نعرف أن "أوبك +" قد اتفقت في أكثر من مرة خلال العام الماضي وهذا العام على خفض الإنتاج مجاراة لانخفاض الطلب ومشكلات اقتصادية عالمية أخرى. وانخفاض الإنتاج يعني حسب المنهجية الإحصائية المستخدمة عالميا حصول انخفاض اقتصادي في الناتج المحلي. لكنه واقعا لم يحصل، بل حصل العكس. حصلت دول "أوبك +" على دخل نفطي أعلى، وحصلت على موارد أعلى من تصدير النفط. نسأل الله أن يرزقنا شكر نعمه. وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي