"غزل" بريطاني - أوروبي سريع
"أنا فخور ببدء علاقات أقوى مع أوروبا" كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا الجديد لا يجرؤ أي حاكم لبريطانيا اليوم، بالإشارة إلى إمكانية عودة بلاده لعضوية الاتحاد الأوروبي.
الأمر لا يتعلق برغبة حاكم أو حكومة ما، بل بالالتزام الحتمي برغبة البريطانيين الذين صوتوا للخروج من الاتحاد "بريكست" قبل 8 سنوات. تحدي هذه الرغبة، سيكون أقرب إلى المغامرة حتى في ظل حكومة العمال الجديدة التي تتمتع بأغلبية ساحقة جداً، تمكنها من تمرير القوانين والقرارات بسهولة.
ولقطع الطريق على كل الأقاويل والتوقعات بهذا الشأن، كان رئيس الوزراء كير ستارمر واضحاً جداً قبل أيام من الانتخابات التي فاز فيها، حين شدد على أن العودة للاتحاد لن تتم في حياته. صحيح أنه لا توجد ثوابت في السياسة، لكن الصحيح أيضاُ أن المتغيرات التي قد تحدث لن تتم بسرعة، بل لنقل لن تتم على الأقل في دورة البرلمان الجديدة التي تستمر 5 سنوات.
الشعار الذي رفعه "العمال" منذ اليوم الأول لهم في السلطة، يتمحور حول تجديد العلاقة مع أوروبا عموماً، وهي إشارة إلى سلسلة طويلة من الخلافات التي سادت أجواء العلاقة بين الكتلة الأوروبية وحكومات حزب المحافظين المتعاقبة، التي سيطر عليها سياسيون ملأتهم الرغبة الشديدة في الابتعاد عن الاتحاد، بعضهم لم يكن يرى حتى جدوى انتماء المملكة المتحدة الطبيعي لأوروبا! الأوقات تتغير، في ظل سياسة بريطانية مرنة وأوروبية مرحبة بأي شكل جديد للعلاقة، بعيداً عن الأشكال الأخرى المضطربة التي سادت المرحلة السابقة.
بدأ "الغزل" بين الطرفين سريعاً، دون الإشارة بالتأكيد لإلغاء "بريكست"، وأسهم في ذلك بالتأكيد انفتاح بريطاني على الدول الجارة، يستند إلى النقاط العديدة التي لا خلاف حولها بين الطرفين، بما في ذلك (مثلاً)، إبقاء بريطانيا ضمن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي سعت حكومات المحافظين في أعقاب "بريكست" للانسحاب منها. التصور الجديد الذي بدأ بحثه بالفعل للعلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، يبدو سهل التحقيق في ظل المتغيرات السياسية على ساحة المملكة المتحدة، وهذا يوفر للطرفين، عوائد كثيرة، في مقدمتها تسهيل حركة التجارة التي تواجه اضطرابات بين الحين والآخر، ونزع "فتيل" الأزمة القانونية لوضعية إيرلندا الشمالية، وتكثيف التعاون الأمني، بما يكفل أهداف الطرفين، بما في ذلك الوصول إلى حلول حاسمة لأزمة اللاجئين، ولا سيما على طرفي القنال الإنجليزي.
الهدف الأول، أن تكون العلاقات أكثر دفئا مما كانت عليه في السابق، وأقوى دفعاً للمصالح المشتركة. فعندما تحرص حكومة ستارمر مثلاً على إزالة العوائق أمام حركة التجارة، فهي تنطلق من حقيقة أن بلاده تصدر للاتحاد الأوروبي 42 % من إجمالي صادراتها للعالم، وتصل تقريباً إلى أكثر من 340 مليار جنيه إسترليني، وتستورد من الاتحاد بقيمة 432 مليار إسترليني.
العلاقة الأوروبية-البريطانية الجديدة، ستظهر بشكل أسرع من المتوقع، لسبب واحد، وهو أن الطرفين يريدانها، ويرغبان في أن تكون أساساً لأي خطوات كبيرة في المستقبل، ولا سيما في ظل التناغم الواضح بين طرفين كانا ينظران لبعضهما قبل وصول حزب العمال إلى السلطة في لندن، بالارتياب، حتى في ظل وجود قواسم مشتركة بينهما بحكم طبيعة العلاقة السابقة، و"قوانين" الجوار الثابتة.
بريطانيا راغبة حقاً في الانفتاح على الجيران، وراغبة أكثر في تحقيق العوائد التي تحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأوروبا هي الأخرى تسعى إلى إزالة كل الشوائب التي علقت بينها وبين المملكة المتحدة منذ "بريكست" في ظل حكومات محافظة "غير ودودة"، فهي أيضاً تريد أن تظل بريطانيا في صفها ليس اقتصادياً فحسب، بل أمنياً وعسكرياً وثقافياً.