هل الأمريكيون مستعدون لحرب تجارية مع الصين؟

من الصعب أن نفكر في قضية تجمع شتات الطبقة السياسية المنقسمة بشدة في الولايات المتحدة بقدر ما توحدها الحاجة إلى احتواء نفوذ الصين المتنامي، سواء من خلال القيود التجارية، أو فرض تعريفات جمركية على المركبات الكهربائية الصينية، أو حظر منصة تيك توك. لكن رغم أن حجة الأمن القومي لتبرير مثل تدابير الحماية هذه مقنعة دون شك، فمن غير الواضح ما إذا كان القادة السياسيون وعامة الناس في الولايات المتحدة مستعدين لتحمل التداعيات الاقتصادية المحتملة.

يتمثل الاعتقاد السائد بين صناع السياسات في أن الزيادة الكبيرة التي طرأت على الواردات الصينية إلى السوق الأمريكية أثناء العقد الأول من القرن الـ21 أدت إلى تفريغ قاعدة أمريكا التصنيعية، الأمر الذي جعل ذلك النوع من الحشد العسكري السريع الذي ساعد على تمكين الحلفاء من الفوز بالحرب العالمية الثانية في حكم المستحيل. في دوائر السياسة الأمريكية، تُصَوَّر "صدمة الصين" غالبا على أنها خطأ فادح دمر المدن في مختلف أرجاء حزام الصدأ، وأدى إلى زيادة حادة في فجوات التفاوت.

نتيجة لهذا، نشأ اتفاق واسع النطاق بين صناع السياسات والمعلقين على أن الولايات المتحدة لا بد أن تمنع "صدمة الصين الثانية" من خلال فرض تعريفات جمركية ضخمة وقيود تجارية على التكنولوجيات الصينية مثل الهواتف الجوالة، والطائرات المسيرة آليا، والأهم من ذلك، المركبات الكهربائية، والألواح الشمسية، ومعدات الطاقة الخضراء.

لكن رواية "صدمة الصين" التي تقوم عليها السياسة التجارية الأمريكية الحالية معيبة بشدة. ففي حين أثرت المنافسة مع المنتجين الصينيين سلبا في بعض الوظائف في قطاع التصنيع، فإن التجارة الحرة أوجدت دون أدنى شك عددا أكبر من الفائزين مقارنة بالخاسرين. فضلا عن ذلك، كان المستهلكون الأمريكيون من ذوي الدخل المنخفض بين أكبر المستفيدين من الواردات الصينية منخفضة التكلفة. وصناع السياسات الذين يعتقدون أن فك الارتباط التجاري مع الصين لن يُفـضي إلى زيادات في الأسعار وردود فعل سياسية سلبية كبرى سيفيقون على صدمة عنيفة.

لا شك أن الأثر الاقتصادي الذي تخلفه القيود التجارية الأمريكية يمكن تقليصه إلى أدنى حد من خلال إعادة توجيه الواردات الصينية عبر موردين من دول ثالثة، على النحو الذي يمكن الأمريكيين من شراء الألواح الشمسية المصنوعة في الصين كما لو كانت مُنـتَجـة في الهند، وإن كان ذلك بسعر أعلى.

علاوة على ذلك، سيستغرق الأمر سنوات حتى تتمكن البلدان "الأكثر ودا" من تطوير قواعدها التصنيعية القادرة على التنافس مع الصين، خاصة بالأسعار المنخفضة التي يقدمها المنتجون الصينيون. في بعض القطاعات مثل المركبات الكهربائية، حققت الصين بفضل قدرتها الإنتاجية درجة من التقدم على الدول الغربية يكاد يكون من غير الممكن التغلب عليها. في ضوء هذا الواقع، سيكون من الصعب للغاية تحقيق هدف نقابة عمال السيارات المتحدة المتمثل في جعل الأمريكيين يشترون سيارات كهربائية مُنتَجة في منشآت عالية الأجور وخاضعة للتنظيم النقابي في الولايات المتحدة، بصرف النظر عن مدى دعم بايدن أو ترمب لهذا الهدف.

قد يأمل بعض المراقبين أن يعمل التباطؤ الاقتصادي في الصين على كبح جِماح طموحاتها الجيوسياسية. لكن الصعوبات الجارية التي تواجهها الصين من المرجح أن تدفعها نحو المواجهة مع الولايات المتحدة بقدر ما قد تؤدي إلى تعزيز التعاون.

مع ذلك، ورغم ما قد يتصور كثيرون في الولايات المتحدة، فإن الانفصال الاقتصادي ليس خيارا قابلا للتطبيق. ورغم أن القيود التجارية التي تفرضها إدارة بايدن ولغتها العدوانية تشكل ردا على الاستفزازات الصينية، فيتعين على كلا البلدين العمل من أجل إيجاد طريقة للتوصل إلى حل وسط إذا كانا يريدان تحقيق نمو اقتصادي مستقر وشامل ومستدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي