كيف يتم قياس معنويات السوق؟
ذكرت في مقالي لشهر أبريل مكاسب عالمية كبيرة وتغيرات محتملة في القيمة قد تدفع السوق المالية السعودية (تداول) إلى الارتفاع لاحقًا هذا العام. قد يبدو هذا غير صحيح، نظرًا لأن أسعار النفط والمخاوف بشأن إيران أدت إلى تراجع الأسهم السعودية منذ ذلك الحين. لكن لا داعي للقلق، هذه المخاوف المعروفة لن تؤثر في نمو الأسهم السعودية لفترة طويلة، خصوصًا مع توقع مزيد من المكاسب العالمية.
والسبب؟ معنويات السوق! تتحرك قيمة الأسهم بشكلٍ كبير عندما تكون هناك فجوة بين الواقع والتوقعات. لذا فإن قياس التوقعات هو المفتاح. هناك طرق سهلة وصعبة للقيام بذلك. تكشف جميع الطرق حاليًا عن تشاؤم مستمر، وهذا مؤشر لسوق صاعدة! ذكر المستثمر الأسطوري السير جون تمبلتون: "الأسواق الصاعدة تولد من التشاؤم، وتنمو بسبب الشك، وتصل إلى أعلى مستوياتها عند التفاؤل، وتموت بسبب التفاؤل المفرط". على سبيل المثال، بعد تعافي سوق الأسهم من اليأس في عام 2020 وأدنى مستوياتها بسبب الحجر الصحي، تحسنت المعنويات بسرعة في عام 2021، ما مهد لمفاجآت سلبية.
ثم جاءت أحداث أوكرانيا والتضخم، ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة وتأثير ذلك في الريال السعودي، ومشكلات سلسلة التوريد، والسوق الهابطة لكن المخاوف تجاوزت الحدود، ما أدى إلى مفاجأة إيجابية والسوق الصاعدة العالمية الحالية.
تحسنت المعنويات منذ ذلك الحين .. إلى حد ما. حيث تكشف استطلاعات مديري الأموال العالميين عن ارتفاع التفاؤل، مع تراجع التوقعات الاقتصادية. وضعت استطلاعات شركة إبسوس توقعات الاقتصاد السعودي بين الأعلى في العالم. ومع ذلك، لم تشهد التوقعات تغيرات كبيرة منذ عام 2022. كما أشار الاستطلاع إلى أن 44 % من الأشخاص المستطلعة آراؤهم يذكرون مخاوف التضخم، ما يؤثر بشدة في ثقة المستهلكين في أمريكا والعالم.
ومع ذلك، يشهد المتشائمون بعض التفاؤل المفرط، متمسكين بمخاوف قديمة مثل الحرب على الأبواب. ويعتقدون أن عددًا قليلًا فقط من الأسهم الكبيرة هو الذي أدى إلى ارتفاع الأسواق العالمية، رغم أن 31 % من مكونات مؤشر إم إس سي آي العالمي تجاوزت أداء المؤشر نفسه منذ بداية العام حتى الآن.
لا تصدق كل ما تسمعه. قيم المعنويات بنفسك. كيف؟ إحدى الطرق الصعبة التي أفضّلها: رسم التوقعات المهنية على شكل "منحنى جرس المعنويات"، حيث يكشف المنحنى عن النتائج المتوقعة على نطاق واسع والنتائج غير المتوقعة. ولا يتنبأ المنحنى بما سيحدث، لكنه يظهر ما قامت الأسواق بتسعيره مسبقًا، وهو إشارة إلى المعنويات.
وانظر إلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأمريكي الذي يُتابعه الجميع: في عام 2018، توقع متوسط التوقعات تحقيق مكاسب بنسبة 5.3 % بالدولار الأمريكي دون احتساب توزيعات الأرباح. لكن انخفضت الأسهم بنسبة 6.2- %! وكان متوسط توقعات عام 2019 يبلغ 15.8 % لكن في الواقع حقق نسبة 28.9 %. كذلك، أخطأت توقعات عام 2023 التي بلغت 9.4 %، إذ حقق فعليًا 24.2 %.
ومع بداية 2024، بلغ متوسط التوقعات 1.8 % فقط. وارتفعت التوقعات تدريجيًا لتصل إلى 4.8 %- ولا تزال النسبة بعيدة تمامًا عن متوسط العائد السنوي لسوق الأسهم الأمريكية على المدى الطويل الذي يبلغ 10.2 % (الذي يشمل الأسواق الهابطة) أو عائدها الحالي البالغ 16.8 % حتى الآن هذا العام. وهذا لا يُعد تفاؤلًا على الإطلاق.
انظر إلى الأمور بعمق. من بين 54 توقعًا دخلت عام 2024، 40 منها تراوح بين 2.9- % و9.0 %، وشهدت 9 منها انخفاضات أسوأ من 3.0- %. ولم يشهد أي منها ارتفاعًا يزيد على 17.1 % بفارق 0.3 نقطة مئوية فقط. والآن، رفع المحللون الماليون توقعاتهم، إذ توقعوا أن يكون المتوسط 9.0 %، وهذا يعني انخفاضًا بنسبة 7.8- % بنهاية العام. هل هذا التفاؤل مفرط؟ بالطبع لا! هناك طريقة قياس أسهل: راقب كيفية مقارنة البيانات الاقتصادية بالتقديرات السابقة. حيث تقدِّم عديد من المواقع المالية توقعات مجمع عليها للناتج المحلي الإجمالي، والتضخم، والمزيد. هل تخطئ معظم التوقعات أمام الواقع؟ إذا كانت الإجابة نعم، فهذا يعني أن المعنويات متفائلة بشكل مفرط! أم هل تكون الأرقام الفعلية أعلى من التوقعات؟ إذا كانت الإجابة نعم، فهذا يعني أن المعنويات متشائمة بشكل كبير! تتجاوز معظم البيانات الاقتصادية العالمية الرئيسة التوقعات الآن، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 1.4 % على أساس ربع سنوي في الربع الأول على الرغم من خفض إنتاج النفط. وهذا مؤشر لسوق صاعدة! راقب أيضًا الاكتتابات العامة الأولية. فهي تزداد في فترات التفاؤل المفرط، إذ تحفز نجاحات الاكتتابات العامة الأولية المبكرة بإدراج شركات أقل جودة لاحقًا. وتنفصل المعنويات عن الأساسيات الضعيفة.
كان أداء الاكتتابات العامة الأولية في السعودية 2023 بمنزلة واحة وسط صحراء الاكتتابات العامة العالمية، ويستمر هذا النشاط مع طرح شركات جديدة مثل مجموعة فقيه الصحية وشركة راسان وغيرهما. على النقيض، كانت إصدارات الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا ضعيفة هذا العام. هل يدل هذا على وجود حماس مفرط في السوق؟ كلا، وبالتالي، من المرجح حدوث مفاجأة إيجابية مستقبلًا.
وكما ذكرت في مقالي لشهر أبريل، فإن تحركات السوق المالية السعودية (تداول) تتأثر بشكل متزايد بالأسواق العالمية. واليوم، ما زال الشك موجودا، ما يشير إلى مزيد من المكاسب العالمية وتعافي السوق المالية السعودية (تداول) مستقبلًا.