هل يقود الذكاء الاصطناعي ثورة الإنتاج القادمة؟

خلال يناير 2024 وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية الساخنة في العالم وضع المنتدى الاقتصادي العالمي الذكاء الاصطناعي على رأس أجندته خلال اجتماعه السنوي. لم يكن الأمر مستغربًا فالسرعة التي تسير بها تقنيات الذكاء الاصطناعي إضافة إلى حجم الاستثمارات المقدرة بمئات المليارات من الدولارات المخصصة من قبل الشركات والحكومات للتنافس على السوق المتنامية يفسر تلك الأهمية. فقد أثارت تطبيقات مثل ChatGPT من شركة أوبن أيه آي OpenAI اهتمام العالم عن التأثير الذي يمكن أن يوجده الذكاء الاصطناعي خصوصا التوليدي في جميع القطاعات ومناحي الحياة. لكن تطوير تلك التقنيات والتوسع في استخدامها يقابله عديد من الصعوبات والتحديات التي في حاجة إلى حلول مستدامة وواقعية.

التهافت المتزايد على الاستثمار والتوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي تدعمه توقعات اقتصادية قوية، فوفقًا لمؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز PWC من المتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030. مدعومًا بشكل مباشر بالتأثير الذي سيتركه في كفاءة الإنتاج وسينعكس التأثير على القطاعات المختلفة سواء كانت صناعية أو خدمية.

ومن المتوقع أن تسيطر الصين والولايات المتحدة على الجزء الأكبر من المكاسب الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، حيث يتوقع أن تسهم تلك التقنيات في ارتفاع الناتج المحلي للصين بأكثر من 26 % بحلول 2030. في الولايات المتحدة تشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يضيف تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إضافة إلى الإسهام في رفع إنتاجية العامل بـ10 % بجانب رفع إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج (TFP) 3.5 % بحلول 2032.

لكن تلك المكاسب الهائلة التي سيجنيها الاقتصاد العالمي من الذكاء الاصطناعي يقابلها عديد من الانتقادات والتحديات التي في حاجة إلى سياسات للتعامل معاها. يأتي في المقدمة التأثير الذي سيتركه في العمالة، فوفقًا لصندوق النقد الدولي فإن نحو 40 % من الوظائف العالمية معرضة للتأثر بسبب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وتراوح عملية التأثر بين استبدال كثير من الوظائف والتكامل مع بعضها الآخر. ارتفاع المخاوف من الذكاء الاصطناعي يستند إلى قدرة التقنيات على التأثير في الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، وذلك على عكس التقنيات السابقة مثل الأتمتة التي أثرت في الوظائف الروتينية، تلك المعضلة تجعل 60 % من الوظائف في الأسواق المتقدمة عرضة للتأثر بالذكاء الاصطناعي مقابل 40 % في الأسواق الناشئة و26 % في الدول منخفضة الدخل.

التحدي الآخر أمام الذكاء الاصطناعي يتمثل في الاستخدام المفرط للطاقة، حيث تستهلك مراكز البيانات الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من الكهرباء. فوفقًا لبيانات بنك جولدمان ساكس فإن إجمالي استهلاك مراكز البيانات من الطاقة سيرتفع إلى 3 أو 4 % بنهاية العقد الحالي من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم وذلك مقارنة بـ1 أو 2 % في الوقت الحالي، بينما تشير التوقعات إلى نمو الطلب على الطاقة من مراكز البيانات 160 % بحلول 2030. ويأتي الارتفاع في استهلاك الطاقة في وقت يعاني فيه العالم أزمة كهرباء إضافة إلى السعي إلى خفض نسبة الانبعاثات الكربونية لمكافحة التغيرات المناخية.

التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي يفرض معادلات جديدة في الواقع الاقتصادي والجيوسياسي العالمي. حيث يأتي في وقت يعاني فيه العالم توترا شديدا بين أهم فاعليه خصوصا الصين والولايات المتحدة، مع اتجاه الأخيرة إلى فرض عقوبات على الصين تمنعها من تطوير وامتلاك التكنولوجيا المتقدمة مثل أشباه الموصلات. ذلك المشهد يضفي تعقيدات إضافية في وضع عالمي مرتبك يعاني فيه الاقتصاد تباطؤا والتجارة العالمية انكماشا وتظهر فيه دلالات على انقسام واضح بين دول الجنوب والشمال.

ختامًا، إنه على الرغم من الفوائد التي سيوفرها الذكاء الاصطناعي وتقنياته المتطورة للاقتصاد العالمي، فإن الأخطار الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي يحملها تبدو كبيرة وتحتاج إلى سياسات مبتكرة للتعامل معها، خصوصا فيما يتعلق بالتأثير في الوظائف والاستهلاك، مع تفضيل أن تكون تلك السياسات موسعة تشمل شتى دول العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي