هل يقترب العالم من ذروة إنتاج النفط؟

في بداية التسعينيات من القرن الماضي التحقت بوكالة رويترز الشهيرة مراسلا صحافيا، وبعد 7 سنين غادرتها منتميا إلى وكالة أسوشيتد برس وداو جونز نيوز وايرز.

في هذه الوكالات العالمية الثلاث كانت الكتابة عن النفط من المهمات الأساسية. ومنذ عقود ثلاثة ونيف – أي منذ بداية ممارستي للصحافة في الوكالات العالمية – وإلى اليوم يطل علينا بعض المختصين أو بعض مراكز الأبحاث بين الفينة والأخرى محذرين من أننا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى ذروة إنتاج النفط في العالم.

وأظن أنني كتبت عن ذلك أكثر من مرة في حينه، وعرجت عليه في مقالي الأسبوعي، وها أنا أعيد الكرة بعد أن طفح سيل المقالات في الإعلام المتخصص بالطاقة متنبئا بأن العالم سيصل سريعا إلى ذروة إنتاج النفط، أي أقصى معدل إنتاج ممكن الوصول إليه عالميا، وبعدها لن يتمكن من الحفاظ على الذروة ويبدأ الإنتاج في الهبوط تدريجيا.
ومفردة الذروة هنا ترجمة لمقابلها بالإنجليزية وهو peak. وفي لسان الضاد لها معان كثيرة، لكن هنا تشير إلى أعلى نقطة أو معدل في الإمكان الوصول إليه. ونتحدث عن الذروة في الاقتصاد كأن نقول "وصل السعر الذروة" بمعنى أعلى سعر له خلال فترة محددة. بيد أن مصطلح peak بقدر تعلق الأمر بإنتاج النفط لا يشير إلى فترة محددة، بل يعني أننا وصلنا إلى أعلى سقف ممكن لإنتاج النفط، ومن المستحيل عبوره، وذلك لندرة المتوافر من الاحتياطي النفطي في العالم.

والأصوات التي تنادي هذه المرة بأننا اقتربنا من ذروة إنتاج النفط تضع نصب عينيها عام 2030، أي في غضون 6 سنوات من الآن لن يكون بمقدور العالم ومعه الدول المنتجة للنفط ذات الاحتياطيات الكبيرة زيادة الإنتاج أكثر من ذلك السقف. وضع سقف لإنتاج النفط لا يمكن تخطيه – أي الوصول إلى ذروة الإنتاج – ليس بشيء جديد. في الحقيقة لدينا نظرية علمية خاصة بذلك نطلق عليها "نظرية قمة هوبرت" Hubbert Peak Theory استنبطها مختص بشؤون إنتاج النفط وهو M. King Hubbert في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، أي قبل أكثر من 70 سنة.

إلا أن الاتكاء على نظرية هوبرت للتنبؤ بذروة الإنتاج والقول إنه قادم في عام 2030، كما يأتي على لسان المختصين وكما تتناقله كتاباتهم، يظهر في رأيي المتواضع قصورا في قراءة وفهم النظرية المهمة هذه. أولا، نظرية قمة هوبرت تقدم توقعات وتنبؤات حول ذروة إنتاج حقل نفطي محدد وكيف ومتى يصل فيه الإنتاج إلى أقصى حدّ له ومن ثم يبدأ في الأفول. ثانيا، النظرية مبنية على ما كان متوافرا في حينه من وسائل إنتاج تعد بدائية إن جرت مقارنتها بما لدينا في عالم اليوم الذي يسبح في بحر من التطور التكنولوجي الخارق والمذهل. ثالثا، هناك تطور مطرد في طرائق الاستكشاف والبحث عن المكامن لم تكن متاحة عندما وضع هوبرت نظريته، وما زلنا حتى اليوم نقرأ ونسمع عن العثور على احتياطيات وحقول جديدة.

رابعا، ما كان سابقا خارج نطاق الإنتاج أو الاستكشاف صار متاحا اليوم، والمتاح في المستقبل مع تطور التكنولوجيا لا بد وأن يكون أكثر مما هو عليه في الحاضر. خامسا وأخيرا، هناك بقاع شاسعة من الأرض في اليابسة والمغطاة بالمياه، التي تشكل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، لم يتم استكشافها، وحتى في دول إنتاج رئيسة في العالم مثل السعودية هناك مناطق غير مكتشفة حتى الآن.

النفط احتياط أهميته ربما تفوق أهمية الاحتياطي النقدي بالعملة الصعبة أو الذهب. من هنا سيبقى حديث الدنيا ومثار حسد وثرثرة كما هو شأن الدولار حاليا. وأتوقع أن يصل الدولار إلى الذروة وتبقى بين النفط والذروة مساحة شاسعة قطعها يحتاج ليس إلى سنين بل عقود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي