أسواق النفط وسط الشاشات الحمراء

طغى اللون الأحمر على شاشات الأسواق العالمية ونزفت أكبر مؤشرات البورصات الأمريكية والعالمية على وقع إعلان تقرير الوظائف الأمريكي الذي أتى مخيبا للآمال مبتعدا عن التوقعات التي أشارت إلى إيجاد وظائف تبلغ 174 ألف وظيفة بينما أتى إجمالي الوظائف الإضافية 104 آلاف وظيفة.
هذا التقرير أربك الأسواق وهي التي ما فتئت تضع عينا على تقرير معدلات البطالة وإيجاد الوظائف وعينا أخرى على معدل الفائدة التي يحكم الفيدرالي الأمريكي قبضته عليها ويحاول جاهدا السير على سلك رفيع بينهما.
ما حدث رفع حدة الأصوات المنادية بخفض طارئ أو استثنائي لسعر الفائدة عله يخفف من حجم الهلع ونوبة الخوف وعمليات البيع المحمومة التي تجتاح الأسواق فقد نزل مؤشر داو الصناعي إلى مستوى 38,812 نقطة وهبط ناسداك تحت 16,300 نقطة بينما سجل S&P 200 نقطة فوق مستوى 5000 ليوضح عمليات البيع أو ما يسمى Sell off التي حدثت ومُنيت بها الأسواق ما يجعل الفيدرالي في مواجهة تهمة التأخر في خفض أسعار الفائدة ويدفعه إلى خفضها إما بشكل طارئ أو استثنائي أو باجتماعه في سبتمبر المقبل.
لم يكن تقرير الوظائف وحده الذي تسبب في هذا النزف والهلع الذي عم الأسواق فتوقعات المستثمرين الذين أغدقوا كريم استثماراتهم على شركات الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا تبين لهم من البيانات التي أصدرتها هذه الشركات عن أدائها المالي في الربع الثاني أن العوائد لن تكون آنية وأن عليهم الصبر حتى تتحق الجدوى الاقتصادية من هذه الاستثمارات المتوسطة وطويلة الأمد.
وبالحديث عن أسواق النفط فهي ليست منفصلة عما يجري في الأسواق وقد تكبدت خسائر كبيرة بالتبعية حيث هبطت بخام برنت إلى أقل من 77 دولارا رغم التصعيد الذي يحصل في منطقة الشرق الأوسط وإمكانية توسع الصراع ليشمل الإقليم بكامله عقب التطورات الجيوسياسية الأسبوع الماضي التي شهدت ارتفاعا في حدة التوتر، ما يجعل المنطقة الأغنى بالنفط التي تحيط بها أهم الممرات البحرية في العالم عرضة للخطر وارتفاع معامل المخاطر للخام المُنتج من المنطقة كما للناقلات التي تعبر مضائقها المالية.
وسط هذا المشهد المضطرب في الأسواق التي تحيط فيه مخاوف التباطؤ والركود الاقتصادي خصوصا في الولايات المتحدة أشارت أساسيات السوق النفطية إلى طلب صحي وقوي في النصف الأول من هذا العام وتوقعات إيجابية لطلب مرتفع في المتبقي منه، فقد أشار رئيس شركة أرامكو السعودية وكبير مديريها التنفيذيين اليوم إلى توقعات بزيادة الطلب على النفط في النصف الثاني من هذا العام بمعدل 1.6 إلى مليوني برميل يوميا وبارتفاع يبلغ 106 ملايين برميل يوميا العام المقبل.
وفي الصين وهي التي إذا عطست أصيبت أسواق النفط بالإنفلونزا بدا أن الطلب على النفط يشير إلى زيادة تبلغ 700 ألف برميل يوميا في النصف الثاني من هذا العام. ومع ارتفاع الطلب العالمي على النفط الذي يأتي مصاحبا للتوترات الجيوسياسية غير المسبوقة في المنطقة فمن المتوقع أن تحسب الأسواق كميات الخفض التي التزمت بها كل من روسيا وكازاخستان والعراق للتعويض عن زيادة إنتاجها فوق الحصص المقررة من المجموعة في الستة أشهر الأولى من هذا العام وهي التي أبدت تعهدا واضحا للامتثال والتعويض في اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الإنتاج في تحالف "أوبك بلس" مما سيسحب ما مجموعه 2,284 مليون برميل يوميا بحلول سبتمر 2025 ما يشكل عاملا ثالثا مساعدا يدعم أساسيات الأسواق النفطية.
في الثاني من يونيو الماضي اجتمعت ثماني دول هي السعودية وروسيا والكويت والعراق وكازاخستان والجزائر وعمان والإمارات في العاصمة السعودية الرياض وقررت إعادة التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميا التي ألزمت هذه الدول نفسها طواعية لتخفيض المجموع الآنف ذكره حيث تدخل إلى الأسواق تدريجيا بدءا من أكتوبر المقبل، بيد أن المجموعة شددت على أن هذا القرار يخضع لأوضاع الأسواق وتطوراتها، ما يعني أن المجموعة لها الحق في مراجعة هذه التخفيضات كلها أو بعضها حسبما تقتضيه مصلحة الأسواق وتوازنها.
بالنظر إلى تاريخ تحالف "أوبك بلس" فإن المجموعة دائما تتأنى باتخاذ قراراتها الاستراتيجية التي تتعلق بالتخفيضات أو الزيادة في الإنتاج أو ما يتعلق بالأعضاء أو الأسواق عامة حيث لا تخرج قراراتها كردة فعل على حدث قد يكون عابرا وغير استراتيجي وهي ما عودت الأسواق عليه رغم أن ما يحدث حاليا مقلق بلا شك للأسواق المالية العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي