التمويل الاستهلاكي وتأثيره في قطاع التجزئة
لم تتوقع كثير من الشركات أن يكون لها شريك في الأرباح كما هو الحاصل اليوم من خلال منتجات التمويل الاستهلاكي، خصوصا منتج "اشتر الآن وادفع لاحقا"، حيث كانت العلاقة غالبا مع شركات البطاقات الائتمانية التي تقتطع جزءا يعد يسيرا نسبيا، ومع ذلك يوجد بعض المتاجر التي ترى أنه لا يمكنها القبول باقتطاع جزء من أرباحها لضعف في هوامش الربح لديها.
عندما ظهرت تجربة "اشتر الآن وادفع لاحقا" كانت متاجر التجزئة مرحبة بذلك، باعتبار أنها شجعت الكثير على شراء المنتجات منها وبحجم أكبر من السابق، بل استقطبت شريحة قد لا تكون قادرة على الشراء إلا بهذه الطريقة، وبالتالي إضافة حجم مبيعات أكبر ولو كان على حساب هوامش الربحية، وكانت بداياتها في السعودية عندما كانت هوامش الربحية محدودة نسبيا عطفا على أسعار الفائدة ووفرة السيولة لدى المؤسسات المالية والبنوك التي يمكن أن تقدم لها ما تريد من السيولة التي تغطي بها احتياجاتها لتنفيذ هذه العمليات، وكانت في حينها لا يزال انتشارها محدودا، فحجم احتياجها من السيولة أيضا محدود عطفا على الشريحة التي تتعامل معها.
الصورة تغيرت كثيرا حيث إن هذه الشريحة توسعت لتشمل فئة تستطيع الشراء نقدا، حيث إن تقسيط الدفعات خلال 4 أشهر يعد لديها أفضل ويمكنها من الاستفادة من الكاش في عمليات أخرى مثل الاستثمار وغيره، وبالتالي أصبحت نسبة كبيرة من مشتريات الأفراد تتم من خلال تلك المنتجات علما بأن هوامش الربحية تقلصت لدى منافذ التجزئة، حيث أصبحت شركات "اشتر الآن وادفع لاحقا" تزيد من هوامش ربحيتها من منافذ التجزئة نظرا لارتفاع تكلفة التمويل بعد رفع أسعار الفائدة لدى البنوك المركزية، إضافة إلى صعوبات تتعلق بالحصول على السيولة وبالتالي سيكون لذلك أثر في متاجر التجزئة بتقليص هوامش الربحية لعمليات "اشتر الآن وادفع لاحقا".
كما أن رفع الأسعار لتغطية الفرق قد تكون فيه صعوبات كبيرة باعتبار أن المنافسة في السوق عالية وتحديات المحافظة على حصة الشركات في السوق، فضلا عن أن تزيدها، كما أن رفع الأسعار الخاص بعمليات شركات التمويل الاستهلاكي لن يكون مقبولا لدى تلك الشركات باعتبار أنها تلتزم في معاملاتها بأن تكون متوافقة مع الشريعة، التي لا يقبل فيها بأن يكون هناك فرق بين سعر المنتج نقدا أو من خلال خدمات التمويل الاستهلاكي.
قد تشهد الفترة المقبلة منافسة في قطاع التمويل الاستهلاكي بما يمنح المتاجر نسبا أقل في عمليات البيع، إضافة إلى الانخفاض المحتمل في أسعار الفائدة، كما أن بعض شركات التجزئة بدأت فعليا في المنافسة في قطاع التمويل وبالتالي يمكن أن تعوض نسبيا ما تفقده من هوامش الربحية لمصلحة شركات أخرى.
تطور نشاط التمويل الاستهلاكي المختلف لا شك أن له أثرا في تعزيز النشاط الاقتصادي والحركة التجارية وتستفيد منه فئات كثيرة تواجه صعوبة في الحصول على احتياجات مهمة نقدا، وفي نفس الوقت يمثل تحديا على مختلف القطاعات، إذ قد لا يؤثر في الأفراد فقط بل قد يكون له تأثير في الأنشطة التجارية.
فالخلاصة أن التمويل الاستهلاكي بمختلف صوره وتنوعها كان له دور في تعزيز النشاط الاقتصادي وزيادة الحركة التجارية، وفي الوقت نفسه يمثل تحديا لكثير من المتاجر نظرا لتأثيره في هوامش ربحيتها، كما أنه قد يؤثر في الأفراد نظرا لتوسع البعض منهم في الاستدانة.