لإعلام اقتصادي عربي منتج
تسببت تقلبات الأسواق الأسبوع الماضي في حالة من القلق بعد أن انقلب المزاج العام انطلاقا من الشرق الأقصى للكرة الأرضية، حيث أسواق اليابان، كوريا، الصين، لينتقل الأثر إلى الأسواق الأوروبية ثم الأمريكية. حدث ذلك التذبذب خلال عطلة نهاية الأسبوع لسوقنا المحلية، ما جعل المتعاملين في انتظار الافتتاح الأسبوعي، متأهبين لعكس ما حدث خلال غياب السوق في الأسواق العالمية على السوق المحلية، مهما كانت الأحداث الأخرى المعلن عنها، نتائج، توزيعات وغيرها من الأخبار المصاحبة للشركات المدرجة أو البيانات الاقتصادية الأخرى المؤثرة، يبقى المزاج العام للسوق مهمينا ومؤثرا دائما، موجة الهلع هذه تسببت فيها مجموعة من البيانات الاقتصادية المختلفة من اليابان، أوروبا، وأرقام الوظائف الأمريكية التي كانت أضعف من التقديرات. منذ أزمة التضخم التي اكتسحت العالم باتت قراءة البيانات الاقتصادية معاكسة لقراءتها في السنوات السابقة، تحديدا في الحقبة الطويلة التي بقيت فيها أسعار الفائدة منخفضة وتكلفة النقود متدنية.
أي متعامل في الأسواق يعرف تماما أن حركة الأسواق لوقوع حدث معين هي فعل من الماضي، ما لم يتمكن المتعامل من فهم الأحداث الاقتصادية والمالية التي تطرأ بصورة تتسم بالشمولية إلى حد معقول، ليتمكن من بناء أي قرار استثماري بشكل يميل إلى العقلانية. ما شهدناه في الأسبوع الماضي يميل إلى ربكة في السوق لأحداث وقعت وانتهت، وفي كل مرة تتكرر هذه الأحداث يهرع الإعلام إلى تسليط الضوء عليها بشكل يظهرها أكثر رعبا بالتغطيات العاجلة والتحديثات المتتالية للأسعار المتراجعة.
لا شك أن هذا أمر طبيعي، لأن المعني من الإعلام شرح الحدث وعكسه على الشاشة الإخبارية أو التقارير المكتوبة. إن ضبط النقل الإعلامي ما بين الواقع والتضخيم يصعب قياسه، وفي مثل هذه الظروف يعمد المخضرمون من المتعاملين إلى تجاهل الضوضاء ليتكمنوا من رسم تصور أكثر عقلانية للحدث القائم.
يعاني المحتوى الاقتصادي العربي ضعفا، يميزه المهتمون من المتابعين للِشأن الإعلامي والاقتصادي. وفي تقديري أن هذا الضعف يأتي من الصعوبات التي يعانيها قطاع الإعلام في جميع تخصصاته لاجتذاب مزيد من الكوادر التخصصية إليه، لعدم وضوح المسار الوظيفي للمهتمين أولا، وكذلك لأن الجهات الإعلامية لا تستثمر ما يكفي من الموارد المالية لتهيئة البنية الأساسية لإعلام اقتصادي قوي ومؤثر، وهذا أبقى الهيمنة محليا لجهات مهينة وعالميا لعدد ثابت ومعلوم من الوكالات والصحف.
إن مخرجات الإعلام الاقتصادي العربي عبارة عن ترجمات لما يقدمه الإعلام التخصصي الاقتصادي الأجنبي، وهذا نتيجة طبيعية للفارق في استثمار الموارد واستقطاب الكفاءات للوصول إلى مخرجات ثمينة وجاذبة. في كل مرة تحدث تقلبات في الأسواق يظهر إلى السطح وبشكل واضح حاجة الإعلام الناطق بالعربية إلى مخرجات أكثر تخصصية وعمقا في البحث، لأجل أن تكون هذه المخرجات عاملا معرفيا أكثر من كونها عامل إرباك. يقع على عاتق وسائل الإعلام والقنوات الإخبارية المحلية دور مهم لرفع جودة المخرجات الإعلامية الاقتصادية، لتتماشى مع الزيادة المعرفية للمتلقين.