الانتخابات الأمريكية .. المال يصنع السياسة من وراء حجاب

الانتخابات الأمريكية .. المال يصنع السياسة من وراء حجاب
قدم متاسك تبرعا سخيا لمجموعة "America pac" الداعمة لحملة ترمب. "أ.ب"

يقال إن "المال لبن السياسة"، في إشارة لما قد يضطلع به المال من أدوار في توجيه الشأن السياسي، وهذا ما تؤكده البيئة السياسية الأمريكية، بانفتاحها، بصورة غير طبيعية، على الاستخدام السياسي للمال، فأصبح رجال أعمال بارزين يملكون تأثيرا كبيرا في صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة.

صحيح أن النظام القائم هناك، وبخلاف أغلب النظم السياسية حول العالم، نظام مفتوح يسمح بذلك. لكن سطوة المال على السياسة، تنزع كثير من المصداقية عن فكرة الليبرالية التي تدعي بأن المواطنين يملكون حظوظا متساوية في اختيار من يمثلهم في السلطة.

وهذا ليس بالأمر المستحدث، إذ سبق للكاتبة الاقتصادية نورينا هيرتس أن كشفته، في كتابها "السيطرة الصامتة: الرأسمالية العالمية وموت الديمقراطية" (2002)، عند حديثها عن الدور الأكبر للمال في تبوأ المراكز الأولى في المشهد السياسي الأمريكي، "إن قائمة الصلات بين الهبات المقدمة للحملات والأصوات في الكونجرس تكاد تكون بلا نهاية".

لكن وتيرة ازدياده، في السنوات الأخيرة، تبقى مثيرة للغاية، لدرجة أن الأكاديمي مايكل ديموك، رئيس مركز بيمو للأبحاث، لاحظ أن "الشعور السائد بين الأمريكيين هو أن اللعبة الديمقراطية قد خضعت للتزوير، وأصحبت تصب في مصالح الأثرياء".

يعد إيلون ماسك أحدث الملتحقين بالقائمة، فالملياردير استضافه، يوم الاثنين الماضي، ولمدة ساعتين، المرشح الجمهوري دونالد ترمب في لقاء مفتوح على منصة إكس. وأقام قبل ذلك، حفل عشاء لعدد من رجال الأعمال، وفق صحيفة الغارديان البريطانية، بهدف إعادة تثبيت ترمب في البيت الأبيض.

وقدم تبرعا سخيا، استنادا إلى وكالة بلومبرغ، لمجموعة عمل سياسي تعرف باسم "America pac"، تركز جهودها على دعم حملة ترمب، في تحول دراماتيكي من رجل أعمال، طالما أعلن استقلاله السياسي، وبعده عن الصراعات الحزبية.

يبقى المقابل، بحسب تقارير صحفية، اعتبار ماسك مستشارا لدونالد ترمب في قضايا السيارات الكهربائية والعملات الرقمية. وذلك ما لمح إليه خلال الاجتماع السنوي لشركة تيسلا، في شهر يونيو الماضي، حين قال: "إن ترمب يتصل بي من حين لآخر دون سبب".

ظهر الملياردير جيف ياس في لائحة المانحين لترمب، بعد أسابيع على لقائهما في "نادي النمو"؛ إحدى المنظمات الأمريكية المحافظة، ما أثار شكوكا لدى كثيرين بشأن تقلبات رجل يتقن الحفاظ على مكاسبه المادية والإيديولوجية. مقابل التحول دفع مسبقا، بإعلان دونالد ترمب، خلال شهر مارس الماضي، معارضته لقانون حظر تيك توك، الذي سعى إلى تنفيذه خلال ولايته الرئاسية، ما فسر لحظتها بأنه مجرد انتقام من منصة فيسبوك المناوئة للرئيس الأمريكي السابق.

الحقيقة أبعد من ذلك، فجيف ياس مالك مجموعة "SIG" أكبر المستثمرين الأمريكيين في "بايت دانس"؛ الشركة الأم لمنصة تيك توك (7 %)، التي يستخدمها نحو 150 مليون أمريكي، ما يعني أن قرار الحظر سيكبد خسائر بالمليارات للرجل.

تخطط ميريام أديلسون، أرملة شيلدون أديلسون، إمبراطور الكازينوهات في الولايات المتحدة؛ المتبرع الكبير للحزب الجمهوري، الوفاء لنهج زوجها، حين أعلنت، بحسب مجلة بوليتيكو، عزمها تجاوز 90 مليون دولار؛ إجمالي ما أنفقه زوجها في آخر دورة انتخابية، لدعم ترمب الذي تراه أحسن من يستطيع الدفاع عن مصالح إمبراطوريتها على الصعيدين الداخلي (الضرائب، القمار عبر الإنترنيت...) والخارجي (حماية إسرائيل...).

يعد تشارلز كوك وديفيد كوك، المنحدرين من عائلة كوك الصناعية العريقة، من أكبر المانحين الماليين لمرشحي الحزب الجمهوري، لتقاسمه مع الحزب الأجندات المحافظة، فسخاؤهما المالي تجاه الحزب هو السبيل الأفضل لانتخاب ممثلين، يدافعون عن سياسات تحمي مصالحهم الاقتصادية من قبيل: رفض لضرائب جديدة، وتقييد السياسات الداعمة للبيئة، والعنصرية تجاه الأجانب.

لدى الحزب الديمقراطي نصيب من دعم رجال الأعمال أيضا، فقد حظي بدعم الملياردير مايكل بلومبرغ؛ مؤسس شركة بلومبرغ، وعمدة نيويورك السابق، الذي خسر نحو مليار دولار في غمار منافسة دونالد ترمب في الانتخابات السابقة، ثم تراجع ليدعم مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن.

وحرص دوما على دعم مرشحي الحزب الديمقراطي بالملايين من الدولارات، وذلك دفاعا عن القضايا التي يناضل من أجلها من قبيل: تغيير المناخ وحماية البيئة وحظر الأسلحة والرعاية الصحية.

جورج سوروس؛ "المانح الأكثر سخاء"، بحسب مجلة فوربس، سخر أزيد من 20 مليار دولار للأنشطة والحركات السياسية، فخلال انتخابات الكونجرس عام 2020 تبرع 128 مليون دولار لدعم مرشحي الحزب الديمقراطي، وذلك نضرة لقضايا التدخل وإصلاح العدالة.

هكذا دواليك في قائمة طويلة، إذ لا مكان لحياد المال عن السياسة في أمريكا، كما تحكى نورينا هيرتس عن إمبراطورية مايكروسوفت التي دخلت صاغرة في لعبة الدعم لضمان غض الطرف على التمدد، فبيل غيتس ظل بعيدا حتى 1995، حيث وجد نفسه في دوامة من التحريات والدعاوى ما دفعه إلى المساهمة بقوة في الحملات الانتخابية، لينتزع مقابل ذلك وعدا من الجمهوري بوش الابن، بمناصرة الإبداع على التشريع.

الأكثر قراءة