ما مخاطر دعوى مكافحة الاحتكار التي خسرتها "غوغل" ؟

ما مخاطر دعوى مكافحة الاحتكار التي خسرتها "غوغل" ؟
شعار "غوغل" على هاتف محمول. "بلومبرغ"

خسرت "غوغل" التابعة لشركة "ألفابت" أكبر تحد تواجهه فيما يتعلق بمكافحة الاحتكار عندما وجد قاض أميركي في الخامس من أغسطس أنها تحتكر سوق البحث بشكل غير قانوني. شكل الحكم فوزاً كبيراً للمدعين العامين للولايات ووزارة العدل الأميركية، التي بدأت تدرس اقتراح تفكيك الشركة التي تأسست قبل 25 عاماً.

أصدر أميت ميهتا، قاضي المحكمة الجزئية الأميركية لمقاطعة كولومبيا، حكمه بأن دفع "غوغل" 26 مليار دولار لشركات أخرى بهدف جعل محرك البحث الخاص بها الخيار الافتراضي أو التلقائي على الهواتف الذكية ووسائل تصفح الإنترنت منعت فعلياً أي منافس آخر من النجاح في السوق.

جاء حكم ميهتا بعد محاكمة استمرت 10 أسابيع في 2023، وهي قضية الاحتكار الأولى التي تشهد مواجهة بين الحكومة الفيدرالية وشركة تكنولوجيا أميركية منذ أكثر من عقدين.

وتأتي القضية ضمن عدة إجراءات لمكافحة الاحتكار تتخذها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، سعياً لتعزيز المنافسة في التجارة كأساس لسياساتها الاقتصادية.

1 - ما هي القضية ضد "غوغل" ؟

زعمت وزارة العدل والمدعون العامون أن "غوغل"، التي يهيمن محركها البحثي على نحو 90% من عمليات البحث عبر الإنترنت، دفعت مليارات الدولارات للحفاظ على احتكار سوق البحث من خلال اتفاقيات مع منافسين في مجال التكنولوجيا ومصنعي هواتف ذكية ومزودي خدمات لاسلكية. وما كان من تلك الشركات، ومنها "أبل" و"سامسونغ إليكترونيكس" إلا أن وافقت على وضع "غوغل" كمحرك بحث افتراضي لوسائل تصفح الإنترنت والأجهزة المحمولة مقابل حصة من عوائد الإعلانات. وزعم المدعون أن الصفقات قيّدت نقاط الوصول الرئيسية، ما منع محركات البحث المنافسة مثل "دك دك غو" (DuckDuckGo)، أو"بينغ" (Bing) التابع لشركة "مايكروسوفت" من الحصول على حجم البيانات التي تحتاجها لتحسين منتجاتها وتحدي "غوغل".

خلص ميهتا في حكمه إلى أن "غوغل" احتكرت على نحو غير قانوني سوق خدمات البحث العامة وإلإعلانات النصية عبر محرك البحث-تلك التي تظهر أعلى صفحة نتائج البحث. قال ميهتا: "اتفاقيات توزيع غوغل تحجب جزءاً كبيراً من سوق خدمات البحث العامة، وتعوق فرص الآخرين في المنافسة". كما خلص إلى أن "غوغل" تمكنت نتيجة احتكارها من زيادة أسعار الإعلانات النصية دون قيود.

2 - ماذا يحدث الآن ؟

يركز قرار ميهتا فقط على ما إذا كانت "غوغل" قد انتهكت قوانين مكافحة الاحتكار. وهو يخطط لعقد محاكمة منفصلة تتعلق بكيفية معالجة ممارسة "غوغل" غير القانونية.

كانت "بلومبرغ" قد أفادت بأن وزارة العدل تدرس ما إذا كانت ستقترح تفكيك "غوغل".

من المرجح أيضاً أن تدعو إلى حظر العقود الحصرية المتعلقة بصميم القضية، وفق أشخاص مطلعين على المداولات. ومن بين الخيارات الأخرى قيد المراجعة إلزام "غوغل" بمشاركة المزيد من البيانات مع المنافسين، وفرض تدابير لمنعها من اكتساب ميزة غير عادلة في منتجات الذكاء الاصطناعي.

إذا مضت وزارة العدل قدماً في خطة التفكيك، فإن نظام التشغيل "أندرويد" ومتصفح الإنترنت "كروم" هما الوحدتان الأكثر ترجيحاً أن تتخلى عنهما "غوغل"، بحسب الأشخاص الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم لتتسنى لهم مناقشة محادثات خاصة. كما أنها تبحث في احتمال بيع برنامج "أد ووردز" (AdWords)، المنصة التي تستخدمها الشركة لبيع الإعلانات النصية، وفق أحد الأشخاص.

وإذا أمر القاضي بهذا التفكيك، فسيمثل ذلك أكبر تفكيك قسري لشركة أميركية منذ تفكيك "إيه تي آند تي" في عام 1984.

3 - ما هو رد "غوغل" على القرار ؟

قالت "غوغل" إنها تخطط لاستئناف حكم ميهتا. وأشارت الشركة إلى أن قرار القاضي ينص على أنها "أفضل محرك بحث في الولايات المتحدة" ولديها "جودة منتج فائقة" بسبب استثماراتها في الابتكار.

في حين تعترف الشركة بأنها تدفع مقابل تثبيت محرك البحث الخاص بها مسبقاً على الهواتف المحمولة ووسائل تصفح الإنترنت، فإنها تقول إن هذه الصفقات غير مضرة، وتشبهها بتلك التي تعقدها شركات الحبوب مع متاجر البقالة للحصول على مساحة رفوف رئيسية. ودأب ممثلو "غوغل" على القول إن المستخدمين يمكنهم الوصول للمنافسين لو أرادوا ذلك "بنقرة واحدة".

4 - ما هي قوانين مكافحة الاحتكار ؟

تهدف هذه القوانين إلى حماية المنافسة في التجارة. وعلى الرغم من أن القانون الأميركي لا يمنع أن يكون كيان ما كبيراً وقوياً؛ إذ يُعد الحصول على وضع احتكاري نتيجة منتجات متميزة أو إدارة أفضل بمثابة مكافأة للنجاح في السوق. إلا أنه من غير القانوني أن تتخذ شركة ذات وضع مهيمن خطوات استغلالية لوقف المنافسين الذين قد يهددون هيمنتها هذه. وأي محاولات للحفاظ على هذا الوضع الاحتكاري دون سند قانوني هي محل انتقاد وملاحقة من سلطات إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، ويمكن أن تؤدي إلى عقوبات أو تفكيك قسري.

5 - ما هي قضايا مكافحة الاحتكار الأخرى التي تواجهها "غوغل" ؟

قادت تكساس 16 ولاية بالإضافة إلى بورتوريكو في رفع دعوى قضائية ضد "غوغل" في 2020، قائلة إنها تحتكر التكنولوجيا الأساسية للإعلان عبر الإنترنت. وقد تحدد مارس المقبل موعدا لهذه المحاكمة.

رفعت وزارة العدل دعوى احتكار منفصلة على "غوغل" بخصوص أعمال تكنولوجيا الإعلان الخاصة بها في يناير 2023. وتتجه هذه القضية نحو المحاكمة في سبتمبر.

وجدت هيئة محلفين فيدرالية أن "غوغل" سعت على نحو غير قانوني إلى الحفاظ على احتكار توزيع التطبيقات من خلال متجرها للتطبيقات "غوغل بلاي" (Google Play) على الأجهزة المحمولة. وطلبت شركة "إيبك غيمز"، ناشرة لعبة الفيديو "فورتنايت" (Fortnite) التي رفعت الدعوى القضائية، من المحكمة إصدار أمر إلى "غوغل" بالسماح للمستهلكين بتنزيل التطبيقات من أي مكان يختارونه والسماح للمطورين بحرية اختيار كيفية قبول المدفوعات. لكن "غوغل" تعارض الحل المقترح، ولم يصدر القاضي في القضية حكمه بعد.

رفع أكثر من 30 مدعياً عاماً في الولايات دعوى قضائية ضد "غوغل" في يوليو 2021، قائلين إنها أساءت استخدام سلطتها بشكل غير قانوني على بيع التطبيقات وتوزيعها من خلال متجرها "غوغل بلاي" على الأجهزة المحمولة. وقامت "غوغل" بتسوية هذه القضية مؤقتاً مقابل 700 مليون دولار، لكن القاضي الفيدرالي لم يوافق بعد على الصفقة وسط مخاوف من أنها لا تحل السلوك المناهض للمنافسة المزعوم.

6 - هل تخضع ممارسات "غوغل" للتدقيق في أي مكان آخر ؟

أوروبا، بشكل أساسي. فمنذ 2010، عندما تلقت المفوضية الأوروبية أول شكوى رسمية ضد ممارسات "غوغل" التنافسية، تعرضت الشركة لثلاث عقوبات تجاوز مجموعها 8 مليارات يورو (8.6 مليار دولار).

وتواصل "غوغل" مساعيها القضائية لمكافحة تلك الغرامات، بما في ذلك عقوبة تاريخية قدرها 4.34 مليار يورو لكيفية إدارتها لنظام تشغيل الأجهزة المحمولة "أندرويد". وفي يونيو، وجه الاتحاد الأوروبي اتهامات إضافية إلى "غوغل"، متهما إياها بتفضيل نشاط تكنولوجيا الإعلان الخاص بها على حساب منافسيها في مجال تكنولوجيا الإعلان والمعلنين والناشرين عبر الإنترنت، وأمرها بالتخلي عن الوحدة بأكملها.

وفي مارس، دخل قانون الأسواق الرقمية للاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ ليُطبق على "غوغل" وغيرها من الشركات الكبرى التي يعدها الاتحاد "حراس البوابة" للاقتصاد عبر الإنترنت. وبموجب القانون، فلن يُسمح لهذه الشركات بتفضيل خدماتها الخاصة على خدمات المنافسين على منصاتها، وستُمنع من الجمع بين البيانات الشخصية عبر خدماتها المختلفة، إلى جانب منعها من استخدام البيانات التي تجمعها من تجار خارجيين للتنافس ضدهم. فتحت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، تحقيقاً بشأن ما إذا كانت "غوغل" تمتثل للقواعد الجديدة فيما يتعلق بمتجر التطبيقات ومحرك البحث الخاصين بها.

7 - ما هي قضايا مكافحة الاحتكار الأخرى التي ترفعها إدارة بايدن ؟

سرّعت إدارة بايدن حملة مكافحة الاحتكار التي بدأت في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب. وفي الأشهر الأخيرة من إدارة ترمب، رفعت وزارة العدل أول دعوى قضائية على "غوغل"، ورفعت لجنة التجارة الفيدرالية دعوى على "فيسبوك"، متهمة إياه بالحفاظ دون وجه حق على احتكار الشبكات الاجتماعية الشخصية جزئياً من خلال الاستحواذ على منافستيها "إنستغرام" و"واتساب"؛ وتسعى لجنة التجارة الفيدرالية إلى تفكيك "ميتا بلاتفورمز"، الشركة الأم لـ"فيسبوك".

هذه الإجراءات، التي واصلها مسؤولو بايدن، هي أكبر تحركات لمكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا العملاقة منذ أن رفعت الولايات المتحدة دعوى قضائية على "مايكروسوفت" في تسعينيات القرن الماضي، مما أدى في النهاية إلى تسوية قلصت فيها الشركة بعض الممارسات التجارية.

في العام الماضي، رفعت لجنة التجارة الفيدرالية دعوى قضائية على "أمازون دوت كوم" لاحتكارها خدمات التسوق عبر الإنترنت من خلال تقليص الجودة للمتسوقين، وفرض رسوم إضافية على البائعين. وفي مارس، رفعت وزارة العدل دعوى قضائية على "أبل" بسبب منع المنافسين من الوصول إلى ميزات الأجهزة والبرمجيات على أجهزتها الشهيرة.

الأكثر قراءة