الصحة الرقمية .. التكنولوجيا تدشن أسواقا صاعدة في القطاع الطبي
كان القطاع الطبي أقل القطاعات اهتماما بالتحول الرقمي، قبل جائحة كورونا، فوفق تقرير لمجلة ذا إيكونوميست البريطانية، كان 70 % من المستشفيات في الولايات المتحدة ترسل سجلات المرضى عبر الفاكس، قبل واقعة فيروس كوفيد 19.
ثم ما لبثت القطاع أن شهد قفزة نوعية، بفعل اعتماد هذه الصناعة على محدثات الثورة الرقمية، فالتشابك التكنولوجي مع كل جانب من جوانب حياتنا، يضع مجال الرعاية الصحية على شفا تحول هائل؛ لا بل هي ثورة صحية يقودها الذكاء الاصطناعي، بحسب المشاركين في المؤتمر الأخير لـ MWC (Mobile World Conference).
تؤكد الأرقام المرتبطة بسوق الصحة الرقمية بدورها ذلك، فتمويل الصحة الرقمية عالميا، ومنذ 2020، في منحى تصاعدي. فيما تحدث خبراء معهد ماكينزي العالمي عن ارتفاع متوقع لعائدات الصحة الرقمية العالمية من 350 مليار دولار عام 2020 إلى 600 مليار دولار في عام 2024.
والصحة الرقمية في أبسط تعريفاتها هي استخدام التكنولوجيا لتحسين صحة الأفراد، كيفما كان الأسلوب المعتمد لتحقيق ذلك، وتتنوع ما بين "العلاجات الرقمية" و"تطبيقات الصحة الرقمية"، إضافة إلى "مراقبة المرضى عن بعد" و"إنترنت الأشياء الطبية" و"السجلات الصحية الإلكترونية".. وما إلى ذلك من التقنيات التي تنهي نظام الرعاية المرضية لصالح نموذج الرعاية الصحية.
تمنح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي البشرية اليوم فرصة للقطعية مع أسلوب التفاعل مع المرض بعد حدوثه، واعتماد أسلوب استباقي قوامه الاحتراز والتوقع، حيث ينصب التركيز على الوقاية والتدخل المبكر، ما يسمح بتعزيز صحة الأفراد من ناحية، ويسهم من ناحية أخرى في تخفيف العبء على أنظمة الرعاية الصحية في الدول.
تعد تطبيقات الصحة الرقمية من أقدم الابتكارات الرقمية في المجال الصحي، فعام 2017 وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدام تطبيق ريسيت (reSET) لعلاج الإدماج. وصادق البرلمان الألماني في نوفمبر 2019 على قانون للرعاية الصحية، يخول إمكانية تبني التطبيقات الرقمية في العلاج.
تطبيقات الصحية الرقمية (DiGA) منتجات تستوجب وصفة طبية، لأنها بمنزلة علاج للأمراض (الصداع النصفي، طنين الأذن، الاكتئاب...)، كما تستعمل لدعم الأشخاص الذين يعانون إصابات أو إعاقات (التصلب المتعدد، السمنة...).
تخضع العلاجات الرقمية (DTx) لإجراءات الفحص المعتمدة في المعهد الفيدرالي للأدوية والأجهزة الطبية، لا سيما ما يتعلق بجودة المحتوى الطبي وسهولة الاستخدام وفعالية التطبيق وسلامة المرضى. فضلا عن أن وصفها من قبل الأطباء والمعالجين النفسيين مشروط بإدراجها في دليل المعهد (BfArM).
تختلف هذه العلاجات جوهريا عن التطبيب عن بعد (Telemedicine)، فاستخدامها لا يتطلب سوي تنزيل التطبيق العلاجي على هاتف المريض، بخلاف الثانية حيث لا يزال العنصر البشري (الطبيب) فاعلا رئيسا فيها، سواء بتقديم الاستشارة أو حتى العلاج.
بالأرقام، أفادت شركة "ماركت آند ماركت" أن سوق العلاجات الرقمية حققت عام 2023 إيرادات بنحو 6.1 مليارات دولار، متوقعة أن تصل قيمتها إلى 21.9 مليار دولار بحلول عام 2028.
يشكل إنترنت الأشياء الطبية (IoMT) بدورها مجالا خصبا في الصحة الرقمية، وتضم جميع الأجهزة التي تستعمل لجمع البيانات الصحية. تسجل نموا متزايدا بشكل لافت، حيث يتوقع أن تصل قيمتها إلى 187.6 مليار دولار بحلول عام 2028، مسجلة نموا سنويا يبلغ 29.5 % منذ مطلع العقد الحالي.
للذكاء الاصطناعي حضوره النوعي، فتقرير لمنظمة الصحة العالمية، تتحدث عن إسهامه في تقليل وقت الفحص الطبي بما يصل إلى 90 %، وزيادة كفاءة العمليات الجراحية بما يصل إلى 21 %، ما يوفر الوقت ويقلل أعباء الأطر الطبية. ويساعد، وفق التقرير ذاته، على توفير ما يصل إلى 150 مليار دولار سنويا بحلول 2026.
من شأن البدائل الرقمية في القطاع الصحي أن تخفف الضغط المتزايد على خدماته سنة بعد أخرى، وتقدم دليلا آخر إلى كل مشكك في منافع الثورة الرقمية؛ فهذا إسهامها في مجال حساس للغاية بالنسبة إلى الإنسان، وقبل ذلك كل الإسهام في ضمان العدالة الصحية لسكان كوكب الأرض.