خط الدفاع الأول للمالية العامة وبناء المدخرات
صدر عن وزارة المالية قبل أيام تقرير الميزانية العامة للدولة عن الربع الثاني وصدر قبله تقرير الربع الأول من العام المالي الحالي 1445/1446 الموافق 2024. ويحوي كل تقرير بيانات حركة الإيرادات والمصروفات خلال الفترة المعنية، والفرق بينهما أي الفائض أو العجز ومصدر تمويل العجز. وتستهدف الدولة ممثلة بوزارة المالية إلى تحقيق مزيد من الشفافية للمالية العامة.
وللعلم تعد ميزانية الدولة حسب الأساس المحاسبي النقدي. أما الإعداد حسب أساس الاستحقاق فلم يطبق بعد. ويتم تبويب الميزانية حسب دليل إحصاءات مالية الحكومة 2014 الصادر عن صندوق النقد الدولي، واسمه المختصر GFSM 2014.
أبرز أرقام الإيرادات والنفقات بالتقريب في النصف الأول 2024:
بلغت الإيرادات 647 مليار ريال، نصيب النفط منها 395 مليار ريال، أي 60 % تقريبا. والضرائب والرسوم بمختلف أنواعها 200 مليار ريال تقريبا. والباقي نحو 53 مليار ريال أغلبه من دخل الاستثمارات العامة. وكانت إيرادات النفط تشكل قبل سنوات قليلة أكثر من 80 %.
أما النفقات للنصف الأول فبلغت 674 مليار ريال. وهذا يعني وجود عجز قرابة 28 مليار ريال، مصدر تمويله الدين العام، وليس السحب من الاحتياطي..
وهذا العجز ليس بكبير آخذا بالحسبان حجم الميزانية والاقتصاد. ومقارنة بالنصف الأول من 2023، زادت الإيرادات 10 % تقريبا وزادت النفقات 15 % تقريبا. وتشكل مستحقات موظفي الدولة من رواتب وغيرها نحو 40 % من النفقات. ومصروفات تشغيل أجهزة الدولة تشكل نحو 20 %. أما الإعانات والمنح والمنافع الاجتماعية فتشكل نحو 12 %.
أما على مستوى هذا العام، فمتوقع أن تبلغ الإيرادات 1170 مليار ريال، والنفقات 1250 مليار ريال، بعجز نحو 80 مليار ريال. أي أن العجز المتوقع في النصف الثاني أكبر من عجز النصف الأول. وزيادة الإنفاق على المشاريع التنموية الكبيرة، سبب رئيس في زيادة العجز.
إيرادات الضرائب والإنفاق العام يتفاوت نسبيا حسب الربع من العام. مثلا متوقع أن يكون الإنفاق الاستهلاكي في الربع الثالث أقل من الثاني. ذلك أن الإجازة الصيفية في الربع الثالث، وتبعا، تنخفض نسبيا بعض الأنشطة فأوجه الإنفاق مثلا، نسبة عالية من أصحاب الإجازات السعوديين والوافدين يقضونها خارج السعودية. وهذا سبب رئيس في انخفاض نسبي في الاستهلاك المحلي في الربع الثالث مقارنة بالثاني. وقد اشتهر أن السائح السعودي ومن حيث المتوسط العام هو من أعلى السياح إنفاقا على مستوى العالم. وتؤكد ذلك مصادر لها اعتبار. من هذه المصادر Global Travel Intentions Study 2013.
بلغ رصيد الاحتياطي للدولة في نهاية الربع الثاني لدولة نحو 400 مليار ريال. والمقصود عادة بالاحتياطي مدخرات الدولة، بأهم العملات الأجنبية. وقد يعمم المعنى لتدخل فيه استثمارات مالية للدولة. ولن أدخل في تفاصيل المعنى لأنه يطيل المقال. وهناك احتياطي من نوع آخر، وهو مهم أيضا للمالية العامة، القدرة الإنتاجية النفطية الاحتياطية.
الاحتياطي هو خط دفاع أول للمالية العامة. ذلك بسبب احتمال وقوع الشدائد بين وقت ووقت. علينا ألا نتساهل في أهمية قوة خط الدفاع الأول للمالية العامة. وهذا الخط ليس شأنا جديدا على البشرية. ولنا في هذا أن نستفيد من حدثين تاريخيين اقتصاديين كبيرين. الأول نصيحة النبي يوسف عليه السلام لملك مصر.
ما جوهر النصيحة؟ بناء خط الدفاع الأول عبر شد الحزام وبناء مدخرات مناسبة وقت اليسر لاستخدامها وقت العسر. الثاني أعمال الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لضبط الإنفاق الحكومي ومحاربة الفساد وهدر المال العام. وهو ما نرى قوة تطبيقه في بلادنا ضمن برامج الرؤية، داعين الله أن يزيد هذا التطبيق نجاحا وتوفيقا.
إن نتائج النصف الأول تزيد من التأكيد على استمرار البلاد في مزيد من تحسين الإيرادات، وتقليل الاعتماد على النفط، ورفع كفاءة الإنفاق العام، مع المحافظة على مستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين فهي من أولويات الإنفاق الحكومي. وصدر التقرير تحت التزام بالشفافيّة، بصفتها عاملا رئيسا في رؤية السعودية 2030 وأهدافها. نسأل الله التوفيق.