النمو والحفاظ على رأس المال .. لا يتحققان معا
هل تبحث عن الأمان في استثماراتك؟ شرحت في مقالي المنشور بتاريخ 6 أغسطس، بالتفصيل لماذا كانت تقلبات الأسهم الأخيرة تصحيحًا وليست بداية سوق هابطة، على الرغم من الانخفاض الحاد الذي شهدته أسواق الأسهم العالمية والسوق المالية السعودية (تداول) بنسبة %6 و8% على التوالي من أعلى مستوياتها في يوليو، وتوقعات المتشائمين الخاطئة بأن أسوأ الأيام قادمة، قد يبدو السعي لتحقيق أرباح شبيهة بأرباح الأسهم مع الحفاظ على رأس المال مغريًا.
لكن هذا غير واقعي! الحفاظ على رأس المال مع تحقيق نمو شبيه بنمو الأسهم يشبه محاولة تحقيق السلام العالمي أو طبقا مقشوشا خاليا من السعرات الحرارية - كلها أمور مستحيلة. ومع ذلك، يدعي بعض التجار خلاف ذلك، ويروجون لمنتجات مالية قد يكون محكومًا عليها بالفشل.
يتطلب الاستثمار الناجح وضع أهداف عقلانية. ببساطة، لا يمكنك تحقيق النمو والحفاظ على رأس المال على المدى القصير في الوقت نفسه. ومع ذلك، يمكن تحقيقهما معًا على المدى الطويل. هل اختلط عليك الأمر؟ سأوضح لك لماذا.
تزايد التقلبات، تصدر الحروب لعناوين الأخبار، تراجع تجارة المناقلة لعملة الين، بطء تحرك البنوك المركزية، الفوضى الانتخابية الأمريكية، مخاوف الركود - وغير ذلك الكثير. كل هذه العوامل تجعل الحفاظ على رأس المال يبدو خيارًا جذابًا. لكنه ليس الخيار الأمثل لمعظم المستثمرين.
لماذا؟ لأن السعي للحفاظ على رأس المال يعني تجنب أي انخفاض في قيمة محفظتك - أي القضاء على التقلبات المحتملة. يبدو الأمر رائعًا! لكن التقلب والانخفاض ليسا مترادفين. فالارتفاع بنسبة1% والانخفاض بنسبة 1% في فترات زمنية متشابهة هما تقلبات متساوية! ولكن مع الأسهم، عادةً ما تكون التقلبات متجهة نحو الصعود.
خذ على سبيل المثال مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأمريكي بالدولار على مدار تاريخه الطويل: القضاء على التقلب يعني التخلي عن 63.1% من الأشهر و73.5% من السنوات التي شهدت فيها الأسهم الأمريكية ارتفاعًا منذ عام 1926! وبالمثل، 57.4% من الأشهر و 71.1% من السنوات التي شهدت فيها السوق المالية السعودية (تداول) ارتفاعًا منذ بدء توفر بيانات الأسعار بالريال السعودي.
الحفاظ الحقيقي على رأس المال يقتصر على الأصول النقدية أو شبه النقدية، التي تحقق عوائد ضئيلة على المدى الطويل. وكما تعلم، حسابات المصارف الكبيرة في السعودية توفر معدلات عوائد سنوية شبيه وقليلة جدًا نسبيًا. هل يُعدُّ هذا نموًا؟ بالطبع لا! ثم يأتي دور التضخم. يتماشى ارتفاع أسعار المستهلك الأخيرة مع الاتجاهات العامة منذ 2012. ومع ذلك، يبلغ متوسط التضخم في السعودية 3.3% سنويًا منذ عام 1971. في وقت كتابة هذه السطور، يبلغ عائد سندات الحكومة السعودية لمدة 10 سنوات 4.93% بينما يبلغ عائد سندات الـ30 عاما 5.82%. ورغم أن هذا ليس سيئًا، إلا أن تجميد أموالك لمدة 10 أو 30 عامًا يعني أن التضخم سيأخذ نصيبًا كبيرًا منها.
الوضع أسوأ في أمريكا. عوائد سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 و30 سنة تبلغ 3.90% و4.20% على التوالي، وهي بالكاد تتجاوز متوسط التضخم طويل الأمد في الولايات المتحدة الذي بلغ 3.5% (و3.0% على أساس سنوي في يونيو). ومع ذلك، تظل التقلبات موجودة، كما أظهرت الانخفاضات العالمية في السندات خلال الفترة بين عامي 2021 و2022. فحتى ارتفاعات التضخم الصغيرة من الممكن أن تلتهم العائد. تذكر: حتى النمو المتوسط يتطلب بعض التقلبات. لذلك، كأهداف، لا يمكن أن يكون هدفك الحفاظ على رأس المال والنمو في الوقت نفسه. أي شخص يقول لك خلاف ذلك يخدع نفسه. إذا كنت بحاجة إلى نمو مثل نمو الأسهم، فاستعد للتقلبات. وإذا كنت لا تستطيع تحمل التقلبات، فتوقع عوائد أقل، ما قد يستدعي إعادة النظر في أهدافك، ومدخراتك، وإنفاقك. ومع ذلك، رغم أن الحفاظ على رأس المال والنمو لا يمكن تحقيقهما معًا على المدى القصير، فأنه من الممكن أن تحقق نموًا يحافظ على رأس المال على المدى البعيد.
ضع في حسبانك أنه في 79 فترة متتالية لنحو 20 عامًا من 1925 إلى 2023، لم تكن الأسهم الأمريكية سلبية أبدًا. أبدًا! ينطبق الأمر نفسه على الأسهم السعودية في 19 فترة متتالية لنحو 20 عامًا منذ 1985. في تلك الفترات، حققت الأسهم الأمريكية متوسط عوائد يبلغ 806% بالدولار، بينما حققت الأسهم السعودية متوسط عوائد يبلغ 547% بالريال. هذا نمو هائل! من المتوقع أن تستمر الأسهم في تحقيق عوائد مرتفعة على المدى الطويل، لأن الطبيعة البشرية تتغير ببطء شديد، ويبقى دافع الربح قويًا وثابتًا على مدى فترات زمنية طويلة. لذلك، من المرجح جدًا أن تشهد محفظة الأسهم المتنوعة نموًا قويًا على مدى العقود القادمة، رغم احتمال وجود فترات سلبية حادة بين الحين والآخر.
لهذا السبب، يجب عليك أن تنظر إلى الأمور على المدى البعيد. قد تجد حينها أنك حققت نموًا مع الحفاظ على رأس المال الذي بدأت به. ولكن هذا النجاح سيكون نتيجة السعي لتحقيق النمو، وليس محاولة تحقيق النمو والحفاظ على رأس المال معًا في الوقت نفسه.