مستقبل النفط بين الطلب ونموه
ذكرت سابقا أن هناك توجها دوليا إلى تنويع مصادر الطاقة والمضي قدما بفاعلية في زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، ما ينعكس إيجابا على تنويع الاقتصاد، والحفاظ على الثروات الناضبة ورفع كفاءة استخراجها واستخدامها، الذي يصب بطبيعة الحال في مصلحة خفض الانبعاثات الذي بات هدفا إستراتيجيا عالميا.
وطرحت سؤالا في المقال السابق بتجرد وهو: هل جميع الدول تؤمن بهذا الهدف الإستراتيجي وتسعى لتحقيقه فعلا؟ أم أن عوامل سياسية واقتصادية وغيرهما تؤثر في هذا الهدف بتسريع وتيرته تارة، وتقويضه تارة أخرى؟ أضفت أن رحلة تحول الطاقة العالمية وما يصاحبها من قضايا تغير المناخ والاحتباس الحراري، هي طريق شائك لا تحفه الورود، وأن من غير المنطقي ومن غير العملي أن يحاك ثوب واحد ليناسب جميع الدول في التعاطي مع هذا الملف وهذا التوجه، نظرا لاختلاف أثر العوامل الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية والأمنية وغيرها على كل دولة.
يستهلك العالم حاليا من النفط نحو 103 ملايين برميل يوميا. وتختلف تقديرات الجهات المختصة وبيوت الخبرة العالمية حول نمو الطلب عليه على المديين القصير والمتوسط، وهذا طبيعي في رأيي كون استشراف المستقبل يبنى على مدخلات مختلفة، ويختلف تعاطي هذه الجهات مع المدخلات وتحليلها وقراءتها، والجدير بالذكر أنه لا يمكن في اعتقادي إغفال الأجندات السياسية لدى البعض التي قد تؤثر في موضوعية الدراسات المستقبلية ومصداقيتها! هناك عوامل آنية لها تأثير مباشر وغير مباشر على أسواق النفط ومنظومة العرض والطلب، وأقصد بآنية هنا، هي تلك العوامل الطارئة والأحداث المؤقتة وإن طالت مدتها. فعلى سبيل المثال الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا التي قد تتغير مجرياتها جذريا في رأيي بعودة إدارة ترمب إلى السلطة. أيضا التشريعات الأمريكية فيما يخص التعاطي مع ملف تغير المناخ، وإنتاج النفط الصخري الأمريكي.
على المدى القصير توقعت "أوبك" في تقريرها الشهري انخفاضا في نمو الطلب في هذا العام من 2.25 مليون برميل يوميا إلى نحو 2.11 مليون برميل يوميا، ولكنها في المقابل تتوقع أن ينمو الطلب على النفط خلال العقدين القادمين ليصل الطلب في 2045 إلى نحو 116 مليون برميل يوميا.
في المقابل تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض الطلب العالمي على النفط ليصل إلى 97 مليون برميل يوميا في 2025، هذا يعني أن توقع "أوبك" فيما يخص كمية الطلب العالمي بعد عقدين من الآن أكثر من توقع وكالة الطاقة الدولية بنجو 20% وهي نسبة كبيرة في رأيي تعكس أن هناك اختلافا بينا في منهجية استشراف مستقبل النفط، حيث أصبح واضحا للعيان أن وكالة الطاقة الدولية، ومن يلف لفها بدأت تبعد عن الموضوعية بصورة متسارعة، وأن الأجندات السياسية والاقتصادية أصبح لها نصيب كبير في مدخلات الدراسات الاستشرافية لديها! العالم ينمو بصورة مطردة، وهذا النمو بطبيعة الحال يجب أن يوازيه نمو في الطلب على الطاقة بجميع مصادرها وعلى رأسها النفط.
أمريكا تستهلك يوميا نحو 20 مليون برميل، تليها الصين بكمية استهلاك يومية تقدر بنحو 16 مليون برميل، وأخيرا الهند تستهلك نحو 5.5 مليون برميل يوميا، وهي كمية استهلاك مجتمعة تشكل أكثر من 40% من الاستهلاك العالمي، فهل سيبقى استهلاكها كما هو عليه أو يقل بعد 25 عاما؟ أشك في ذلك وأراه بعيدا!