مُنجزات في الطاقة والصناعة
بين الطاقة والصناعة علاقة تعامل وثيق لا تنتهي. الطاقة تُحرك المصانع، وهي أيضاً مسؤولة أيضاً عن تشغيل كثير من مُخرجات هذه المصانع. وليست الصناعة ومُخرجاتها هذه في موقع المُستهلك للطاقة فقط، بل هي أيضاً في موقع المطور لتقنيات التعامل مع الطاقة، بما يُحقق الاستفادة منها على أفضل وجه مُمكن.
ومن أمثلة ذلك تحويل مصادر الطاقة الطبيعية إلى كهرباء، وكذلك الاهتمام المشهود حالياً بتطوير أنواع مُتجددة من البطاريات، لإمداد السيارات الكهربائية بالقدرة على الحركة، وتشغيل الأجهزة الإلكترونية المحمولة التي باتت تُرافق الجميع في الحركة وفي السكون، وغير ذلك من تطبيقات مُختلفة.
وللطاقة مصادر مُتعددة، منها المُستهلك الناضب، كالفحم والنفط والغاز، ومنها المُستدام، كتأثير الشمس، والرياح، ومساقط المياه، وغيرها. وللصناعة التي تحتاج إلى الطاقة فروع مُختلفة، تشمل الصناعات الخفيفة، والثقيلة، والتحويلية، والبتروكيميائية، والغذائية، وغيرها. ثُم لمُخرجات الصناعة التي تحتاج إلى الطاقة أنواع عديدة، مثل وسائل النقل، براً وبحراً وجواً، ومثل وسائط العالم السيبراني، ووسائط الذكاء الاصطناعي، وغيرها.
انطلاقاً مما سبق، لا غرابة أن تختار السعودية "الطاقة والصناعة" كمجال من 4 مجالات رئيسة، تتمتع بأولوية وطنية في العمل على تنمية البحث والتطوير والابتكار، والريادة في ذلك. ولعل ما يُعزز اهتمام السعودية بهذا المجال، تمتعها بثروات طبيعية كبيرة في مجال الطاقة يحتاجها العالم بأسره، واهتمامها بشؤون الطاقة المُستدامة أيضاً، فضلاً عن طموحاتها في التقدم والإسهام في مسيرة العالم العلمية والتقنية، والاستفادة منها في تحقيق التنمية الوطنية.
ولإلقاء الضوء على مُنجزات بحثية عالمية حديثة مُهمة في مجال الطاقة والصناعة، سنُركّز، في التالي، على ما أوردته دراسة استشرافية، في هذا المجال، قام بها المرصد الوطني للبحث والتطوير والابتكار عام 2023. فقد طرحت هذه الدراسة 7 مُنجزات بحثية عالمية في مجال الطاقة والصناعة، اختارتها على أساس منهجية تتضمن: أهمية التقنية، ودرجة تأثيرها، ومدى الحاجة إليها، ومستوى جاهزيتها، وجاذبيتها في السوق، وفوائدها التجارية. كما قدمت الدراسة أيضاً قصة نجاح بحثية سعودية في هذا المجال.
تضمنت المنجزات المُختارة تقنية تعمل على استخراج عنصر "الليثيوم Lithium"، من المحاليل الملحية الطبيعية. وتأتي أهمية هذه التقنية من القيمة الكبيرة لهذا العنصر في تطبيقات مُفيدة يحتاجها الإنسان في هذا العصر. ومن أهم هذه التطبيقات: بطاريات كل من السيارات الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية، وصناعة الزجاج والسيراميك، وبعض السبائك المعدنية عالية الأداء، وبعض الأدوية، وغير ذلك.
شملت المُنجزات المُختارة أيضاً تقنية صناعة الخلايا الشمسية باستخدام مادة البيروفسكايت Perovskite". ولهذه المادة تكوين بلوري خاص يجعل استخدامها في الخلايا الشمسية أفضل أداء، وأعلى كفاءة من استخدام مادة "السيليكون Silicon". وقد كان للسعودية إنجاز مهم في هذا المجال، تمثل فيما قدمته جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. فقد أعطى هذا الإنجاز خلايا شمسية مزدوجة، تجمع بين مادة السيليكون ومادة البيروفسكايت، وتُعطي أداء أفضل من الخلايا المُتاحة حالياً.
وردت بين المُنجزات المختارة، تقنية صديقة للبيئة تعمل على إنتاج الهيدروجين الذي لُقب بالأخضر، على الرغم من أنه عديم اللون، لكن من مُنطلق صداقة البيئة. وتعتمد هذه التقنية على مصادر الطاقة المُستدامة، وتستخدم التحليل الكهربائي، لفصل مكوني الماء الهيدروجين والأكسجين، وتأمين البيئة الخضراء المنشودة.
وبرزت كذلك تقنية الترانزستورات الحديثة. وتتميز هذه التقنية، ليس فقط بالحد من حجم الترانزستورات في شرائح الدوائر الإلكترونية، إنما بتعزيز وظائفها أيضاً. وفي ذلك فوائد للأجهزة الإلكترونية وتطبيقاتها المُختلفة. كما برزت تقنية أشباه الموصلات المُعتمدة على مركب "نتريد الغاليوم GaN". وتتميز أشباه الموصلات هذه، بكفاءة عالية في استخدام الطاقة، وقدرة على تحمل درجات حرارة عالية، فضلاً عن السرعة الكبيرة، وصغر الحجم.
وتضمنت المنجزات السبعة المُختارة، إضافة إلى ما سبق، تقنية "الأطر العضوية المعدنية MOFs" التي تُستخدم في تخزين الغازات، وفصل مكونات المركبات، وتنقية المياه، واستخلاص النفط، وغير ذلك من تطبيقات كيميائية مُهمة. وهُناك أخيراً، وليس آخراً، التقدم في تقنية الاندماج النووي التي شهدت اهتماماً واسعاً عبر سنوات طويلة، لما يُمكن أن تقدمه من معطيات تشمل مصدراً هائلاً للطاقة النظيفة، يفوق جميع المصادر المعروفة الأخرى. فقد شهدت هذه التقنية تطورات حديثة واعدة تأخذ طريقها إلى مزيد.
وهكذا نجد أن المُنجزات البحثية للطاقة والصناعة، التي يقوم بها الباحثون، على مستوى العالم، تتركز في شؤون مصادر الطاقة، والتمكّن من تخزينها، والمُحافظة على نظافة البيئة، وتقديم استخدامات مُفيدة لمواد واعدة، فضلاً عن السعي إلى وضعها جميعاً في خدمة الإنسان.