تشرد عالمي في كل الاتجاهات

"الحرية لا تعني شيئاً، لمن لا طعام له، ولا مأوى"

نيلسون مانديلا، رئيس جنوب إفريقيا الراحل

بصورة متسارعة تتفاقم أزمة التشرد حول العالم، رغم أنها ليست جديدة وسط الأزمات الدولية عموماً. وفي العقود الماضية، وضعت الأمم المتحدة سلسلة من المخططات، لخفض مستويات التشرد، ولا سيما ضمن مشاريعها الإنمائية التي حققت قفزات نوعية في كل المجالات تقريباً، دون أن تسجل نقاطاً لافتة في ميدان الحد من التشرد، وفشلت في تقليل عدد غير القادرين على الوصول للمساكن الملائمة. المشكلة العالمية هذه لا تقتصر بالتأكيد على البلدان الفقيرة أو تلك التي توصف بالأشد فقراً، بل تشمل أيضاً البلدان المتقدمة بدرجات متفاوتة، رغم وجود أنظمة متكاملة للضمان الاجتماعي. وفي الغرب تحديداً، تتفاقم أزمة التشرد كل يوم، بارتفاع نسبة الذين "يسكنون" الشوارع، بما فيها تلك الشهيرة.

أزمة الإسكان العالمية معقدة ومتشعبة جداً. فلا يمكن الوصول إلى أرقام حقيقية عن عدد هؤلاء الذين وقعوا في دائرة التشرد، مع الأخذ في الحسبان إلى اختلافات بين منطقة وأخرى حول التوصيف نفسه. فضلا عن التشرد القسري الناجم عن ارتفاع وتيرة الاضطرابات حول العالم، الذي يحدث -كما نرى- يومياً. لكن، هناك اتفاق على أن المتشرد هو الذي لا يستطيع الحصول على مسكن لائق بالحدود الدنيا لمعيشته، علماً بأن هناك أعداداً هائلة من البشر يعيشون في مساكن لا تستحق تسميتها أصلاً، من فرط حالاتها المزرية.

وترتفع أعداد الأشخاص الذين بلا مأوى في الدول الفقيرة التي لا تمتلك نظاماً للضمان الاجتماعي، ما أنتج أجيالاً من أولئك الذين لم يستطيعوا الوصول حتى إلى خدمات التعليم الأساسية، فضلا عن الصحية والمعيشية.
في السنوات القليلة الماضية، أخذت "مجموعة العشرين" زمام المبادرة لمواجهة هذه الأزمات، إلى جانب الملفات الدولية العالقة الأخرى. ويتراوح عدد الذين يفتقرون إلى مأوى عالمياً ما بين 100 و150 مليون شخص. وترى المنظمات الخيرية المعنية بشؤون المشردين، أن العدد قد يكون أكبر من ذلك.

لكن المشكلة المصاحبة لهذه الأزمة، هي وجود 1.6 مليار شخص، يعيشون ظروفاً سكنية غير ملائمة، بما في ذلك منازل مسقوفة بفروع الأشجار، إلى جانب طبعاً افتقارها لخدمات الصرف الصحي، والكهرباء والوقود المنزلي. تؤكد منظمات تابعة للأمم المتحدة، أنه بحلول العام 2030 سيحتاج 3 مليارات شخص، أي نحو 40 % من سكان العالم، إلى مسكن مناسب. وبحسب الإحصائيات، يضطر نحو مليوني شخص إلى ترك مساكنهم سنوياً.

يتطلب الأمر من "مجموعة العشرين" التي وضعت أزمة التشرد العالمي على جدول أعمال قمتها المقبلة، الإسراع في وضع معايير جديدة لإجراء المسوحات الأسرية التقليدية. فهذه المسوحات لا تزال تستبعد الأشخاص الذين يعانون التشرد.

لكن أهم خطوة تنحصر في تطوير معالجة المسألة. مطلع العقد الحالي اعترف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، أن الأمم المتحدة والدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية، من بين آخرين لم تظهر مستوى الالتزام المطلوب للتغلب على هذه الأزمة. المسألة لا ترتبط بالتمويل فقط، بل بمنظومة جديدة تماماً، مستندة إلى جهة باتت المحرك العالمي الرئيس منذ أكثر من عقدين، هي "مجموعة العشرين".

لا شك، أن النجاح في خفض الاضطرابات هنا وهناك، سيحل جزءاً أساسياً من هذه المشكلة المتصاعدة، ومساعدة بعض الحكومات المستقرة في هذا الشأن، سيزيل أيضاً جانباً محورياً من الأزمة، لكن في النهاية، يحتاج الأمر إلى مخطط واضح متكامل ومستدام، لا يشبه تلك المخططات التي ظهرت في العقود القليلة الماضية، ولم تحقق قفزات لافتة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي