البنوك والاستثمار في قطاع التقنية من المنافسة إلى المشاركة
تتسارع تطورات المشهد في القطاع المالي تجاه التقنية وتطوراتها وتأثيرها في المشهد المالي في الأسواق العالمية ومنها القطاع المالي في السعودية، الذي برز فيه التطور الكبير الذي تشهده ببلوغ عدد الشركات في هذا القطاع أرقاما هائلة، ولا تزال السوق مؤهلة لمضاعفة هذه الأرقام للوصول إلى مستهدفات رؤية السعودية 2030م، التي تستهدف أكثر من 500 شركة تقنية مالية. والأرقام رغم ضخامة حجمها بلغت النصف لهذا المستهدف عند الرقم 223 شركة تقنية مالية تقريبا تتنوع خدماتها بين التمويل والادخار والاستثمار أو تسهيل عمليات الدفع أو تقديم خدمات مصرفية رقمية بالكامل لعملائها، وهذا يتناسب مع التوجهات العالمية وصورة المشهد الحالي والمستقبلي للسعودية التي تدعم استخدام التقنية ووفرة بنية تحتية رقمية مميزة لتسهيل عمل هذه الشركات، إضافة إلى القدرات الهائلة في قطاع الأمن السيبراني ما يجعل الاستثمار في هذا القطاع والتعامل معه آمنا بنسبة عالية وجذابا للاستثمارات المحلية والعالمية.
شهد مؤتمر فنتك 24 الذي يقام في الرياض إقبالا كبيرا من الحضور من المتخصصين في هذا المجال وشهد أيضا الإعلان عن اندماجات واستحواذ في هذا المجال ما يعزز من قدرات هذا القطاع والتوسع فيه، قطاع التقنية المالية بدا وكأنه تهديد لأسلوب العمل التقليدي في القطاع المالي سواء لدى البنوك التجارية أو الاستثمارية بما في ذلك طرق الدفع المختلفة التي أصبحت تنافس البطاقات الائتمانية، إلا أن هذا التحدي لدى المؤسسات التقليدية يمكن أن يولد فرصا كبيرة للبنوك والشركات الاستثمارية التي بدأت فعليا الاستثمار في هذا القطاع سواء بالاستثمار في كيانات مستقلة مثل الاستثمار في بنوك رقمية متخصصة أو الاستحواذ على جزء من شركات قائمة مثلما تم الإعلان عن استحواذ مصرف الراجحي على 65 % من شركة دراهم المتخصصة في التقنية المالية التي تقدم خدمات مالية في عمليات الادخار والاستثمار.
استثمار الشركات الكبرى والبنوك في قطاع التقنية يحقق منافع كبيرة لهذه الكيانات للاستفادة من الفوائض المالية التي لديها ولتعزيز قدرات شركات التقنية المالية وزيادة فرص تحقيق الاستدامة لديها، كما أنه يزيد من فرص الوصول إلى شريحة أكبر من العملاء وتخفيض التكلفة الباهظة التي تتكلفها البنوك في التوظيف واختيار المواقع والتكلفة العالية عليها في تقديم منتجات على غرار المنتجات التي تقدمها شركات التقنية المالية.
الشركات الكبرى في القطاع المالي أمام تحدٍ لمواجهة المنافسة الكبيرة من قطاع التقنية المالية الذي بدأ ينتشر بصورة كبيرة خصوصا بين فئة الشباب، الذي أصبح يتعامل مع هذه المنصات بصورة دورية ما يعني أنه ستتسع شريحة المتعاملين لمصلحة هذه المنصات، ولذلك فإن الاستثمار فيها قد يكون من الخيارات الجيدة لدى الشركات المالية الكبرى في السعودية وذلك غالبا سيكون أقل تكلفة ووقتا من بناء منصات جديدة قد تواجه صعوبات للوصول إلى مستهدفات الشركات المالية. الاستثمار في شركات التقنية المالية من قبل مؤسسات عريقة قد يعزز من كفاءة وحوكمة عملها وقدرتها على النمو بصورة أكبر والوصول إلى شريحة جديدة وواسعة من العملاء.
فالخلاصة أن الشركات المالية الكبرى مثل البنوك والشركات الاستثمارية في السعودية يمكن أن يكون لها دور في دعم نشاط شركات التقنية المالية الجديدة من خلال الاستحواذ أو المشاركة، ما يعزز من تمكين هذا القطاع وتحول صحي للقطاع المالي فيها.