قراءة في تقرير صندوق النقد عن السعودية
صدر الأسبوع الماضي تقرير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي عن السعودية، جاء التقرير إيجابيا بوضوح من 4 نواح، الأولى وربما هي الأهم في الدفاع عن النهج والتوجهات السعودية خاصة في إعادة معايرة الإنفاق الاستثماري وإعادة ترتيب مشاريع رؤية 2030، الثانية تحقيق أهداف محددة مثل وصول البطالة إلى أدنى مستوى تاريخي، ونسبة مشاركة المرأة، والسيطرة على معدلات التضخم عامة رغم ارتفاع بعض نواحيه، مثل: الإيجارات خاصة في الرياض وجدة، ونمو الدخل غير النفطي رغم انخفاض الدخل القومي الإجمالي بسبب انخفاض دخل النفط لأسباب تخص دينامكية سوق النفط وحراك الاقتصاد العالمي رغم السياسات الحصيفة لوزارة الطاقة.
الثالثة: الطمأنينة على المنظومة المالية على الرغم من تراجع الحساب الجاري، المفاجأة هنا التعويض في ارتفاع في فائض الخدمات بسبب السياحة. في هذا الجانب أيضا أشاد الصندوق بقوة القطاع المصرفي وقدرته على تحمل الضغوطات المحتملة رغم تناقص النمو في الإقراض، الذي أجده مبررا بسبب النمو العالي في التمويل في سنوات قليلة والحرص على معايير الكفاءة المالية.
الرابعة: التي ذكرت ولكن لم تعط حقها في نظري، وهي تنامي الاعتماد على الطلب المحلي ربما بسبب تعميق وتوافر بعض الخدمات وتسهيل أنظمة العمل والاستقدام ومراجعة أنظمة الاستثمار.
تقارير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي محطات لتقدير الأداء الاقتصادي ونقطة تجميع معلوماتية لا يستهان بها ولذلك فهي مهمة، لكنها عادة لا تؤخذ كتحليل ينطوي على تغيير في السياسات لأي دولة لأنها "تشاورية" من ناحية، وبحسب حالة الدولة اقتصاديا وماليا، فالدول التي تحت ضغط مالي هي في حاجة للاقتراض من الصندوق، وربما تحتاج إلى هيكلة صعبة أحيانا، حيث تصل الدول لهذه المرحلة قبل تدخّل الصندوق.
في الماضي تلقى الصندوق نقدا مستحقا حين أخذ بما كان يسمى "إجماع واشنطن"، الذي في جوهره الأخذ بسياسات السوق دون النظر في اعتبارات وشروط التنمية الاقتصادية و الأبعاد المؤسساتية لمجتمعات مختلفة المنطلقات والأدوات.
الصندوق تراجع عن هذه النظرة الأحادية وأصبح أكثر حذرا وربما ارتفعت قيمة المادة الرابعة، لكنها لا تزال "تشاورية " لذلك ربما تكون نتيجة توافقات تحد من التفاصيل، ولذلك يقول بعضهم أن هناك اندفاع نحو مجاملة بعض الدول.
على أي حال ستبقى مهمة لأن الرأي الموضوعي المستقل، خاصة عن موضوع بدرجة تعقيد تقييم أداء الدول اقتصاديا وتنمويا في عالم متحرك صعب القياس، والتنبؤ سيبقى جدليا. لم أذكر الأرقام هنا لأنها متوافرة لمن يريد قراءة التقرير، أيضا لحيز العمود.
واقعيا "أهل مكة أدرى بشعابها"، وضع اقتصادي جيد في ظل انخفاض نمو GDP، لذلك يصعب أن يكون هذا المعيار الفيصل في الحكم على الاقتصاد، معيار استرشادي فقط، قد يكون مفيدا أكثر للدول الفقيره جدا. لا تقرير IMF ولا غيره، الفيصل الأخير عن حالة مستوى التنمية والقوة والفاعلية الاقتصادية مستقبلا لأي دولة، خاصة أنه يتعامل بمؤشرات قصيرة المدى بالتالي لا يتعامل مع التحديات بعيدة المدى، وكذلك لا يماحك العناصر التنافسية للدول.
فمثلا مسألة الحيز المالي لا بد أن تتعلق باستمرار نمو التكاليف الثابتة وتبتعد عن العلاقة الحسابية مع GDP لذلك أيضا هنا تتميز السعودية بموقف إقليمي مريح، وربما دولي لأن العالم يمر بحالة استثنائية من الضعف والتحديات في عدة دول مؤثرة لأسباب مختلفة، كذلك هناك حالة من الاستقطاب الدولي في التجارة- بيئة قد تساعد على التمركز واقتناص الفرص لكنها تحمل أخطارا وتحديات واضحة، مثل: انخفاض أسعار النفط. إجمالا، أداء السعودية مطمئن والتقرير يدل على قدرتها على الإبحار في ظروف صعبة.