التمويل الأصغر .. تمكين للمجتمعات المحلية وتعزيز للشمول المالي في دول الخليج
يعد دمج 1.4 مليار شخص حول العالم، ممن ليس لديهم وصول إلى حسابات مصرفية، في النظام المالي أولوية قصوى للحكومات جميعها. فهذا لن يدفع النمو الاقتصادي على المستوى الكلي فحسب، بل يشجع أيضا التمكين الاقتصادي للمجتمعات المحرومة تقليديا، ويوفر لها ظروفا آمنة للازدهار.
وتضع دول الخليج الآن الشمول المالي في صميم سياستها الاقتصادية، وقد أحرزت بالفعل تقدما كبيرا، مستفيدة من التمويل الأصغر الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من إستراتيجياتها، وفقا لموقع المنتدى الاقتصادي العالمي.
التمويل الأصغر هو نوع من الخدمات المالية التي تتيح خدمة مصرفية متكاملة للأفراد والشركات الصغيرة التي قد لا تستطيع استخدام البنوك التقليدية. وهذا يشمل مجموعة واسعة من الأشخاص، من رواد الأعمال والطلاب في بداية حياتهم المهنية إلى جانب المجتمعات المحرومة تقليديا مثل الأشخاص ذوي الدخل المنخفض.
من خلال تقليل العقبات ومنح هذه المجموعات إمكانية وصول إلى مجموعة من الخدمات، مثل التمويل وبطاقات الائتمان وحسابات الادخار وغيرها، يستطيع الناس تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
عززت مؤسسات التمويل الأصغر الشمول المالي من خلال تطبيقاتها على الهواتف المحمولة التي يسهل الوصول إليها واستخدامها. كما قدمت رسوما منخفضة لخدماتها أو ألغتها، ما يسمح للأفراد الذين لم تشملهم الأنظمة المالية التقليدية بسبب رسوم الخدمات المرتفعة، بالوصول إلى خدماتها وتوفير تكاليف المعاملات.
تطور مشهد التمويل الأصغر في دول الخليج تطورا ملحوظا في الأعوام الأخيرة نتيجة عدد من الاتجاهات الرئيسة. في الأعوام الأخيرة، وصل انتشار الإنترنت إلى 98 % في جميع أنحاء دول الخليج. كما أن كثيرا من سكان المنطقة من فئة الشباب المتعلمين يميلون إلى تفضيل الخدمات المالية الرقمية المتاحة على هواتفهم المحمولة على الخدمات التقليدية التي تتطلب الذهاب إلى البنك. أدى هذا المزيج من إمكانية الوصول والتركيبة السكانية الشابة إلى ارتفاع معدلات تبني خدمات التمويل الأصغر الرقمية.
إلى جانب ذلك، اتخذت البنوك المركزية في المنطقة نهجا استباقيا مكن المؤسسات المالية الإسلامية من تلبية احتياجات المجتمعات المهتمة بخدمات التمويل الإسلامية. وكان لها دور أساسي في تطوير إطار تنظيمي قوي للتمويل الأصغر الإسلامي، وضمان الامتثال لمبادئ الشريعة الإسلامية والمعايير الدولية.
وكان للسياسات الحكومية تأثير مهم في مجالات أخرى أيضا، حيث أنشأت بيئة ملائمة لنمو مبادرات التمويل الأصغر وفاعليتها. ويشكل هذا جزءا من جهود التنويع الاقتصادي الجارية في مختلف أنحاء المنطقة للحد من الاعتماد على صادرات النفط.
والآن، يسخر قطاع التمويل الأصغر الناشئ هذه التطورات لدفع الشمول المالي في المنطقة، وقد نشأ جيل جديد من شركات التمويل الأصغر في مختلف أنحائها مثل شركة "تمام" في السعودية.
ومن خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات المالية، يمكن لمؤسسات التمويل الأصغر مساعدة الناس على التغلب على الحواجز التي تحول دون المشاركة الاقتصادية وتحقيق قدر أكبر من الاستقلال المالي. قدمت خدمات التمويل الأصغر المخصصة لرواد الأعمال في الخليج الدعم والموارد اللازمة لإنشاء أعمال تجارية أو توسيعها، واتخاذ قرارات مالية مستقلة وحتى كسب دخول أعلى.
وبالنسبة للمجموعات المحرومة أدى التمويل الأصغر دورا رئيسا في زيادة الشمول المالي في دول الخليج ومكن دولا، مثل السعودية والإمارات، من رفع معدلات امتلاك حسابات مصرفية من 46 % و 60 % في 2011 إلى 74 % و 85 % في 2021 على التوالي.
هذه العملية ليست خالية من التحديات. تحتاج دول الخليج إلى بنية تحتية أقوى لدعم شركات التكنولوجيا المالية الناشئة وتعزيز التحول الرقمي في القطاع المالي. كما يحتاج المزودون إلى تبني التكنولوجيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، لتحسين تجربة عملائهم وجذب مزيد من المستخدمين.