التجارة الحرة وكراهية العولمة

بطبيعة الحال، ينبغي لخبراء الاقتصاد من أنصار التجارة الحرة أن يحاولوا مقاومة موجة معاداة التجارة بالحقائق. لكن في ضوء كراهية العولمة الواسعة الانتشار، يظل سؤال أشد إلحاحا ماثلا أمامنا: أي المبادئ ينبغي له أن يوجه السياسة؟

أقترح أن البلدان التي تسير جيوشها وتتدرب معا ينبغي لها أيضا أن تتشارك في التجارة. بدلا من غلق الأبواب عشوائيا، يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على التمييز بين قوى الخير والشر على الساحة العالمية.

منذ اندلاع الأزمة المالية في 2008، تقلصت التجارة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنحو 10 %. الحقيقة الـفَـجّـة هي أن أمريكا، بسوقها الداخلية الضخمة التي يبلغ عدد سكانها 335 مليون نسمة، يمكنها تحمل الحروب التجارية والمناوشات بشكل أفضل من معظم البلدان الأخرى. على مدى السنوات الـ15 الأخيرة، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي كل دولة من دول مجموعة السبع، الأمر الذي جعل حتى المسؤولين الصينيين يتساءلون أين أخطأوا.

يبدو أن السرد المناهض للعولمة يعامل جميع الأجانب على قدم المساواة، متخيلا أنهم جميعا يحاولون سرقة الوظائف، وسرقة الملكية الفكرية، واستغلال الثغرات. نتيجة لذلك، قد لا يقل انزعاج محاربي التجارة الأمريكيين إزاء الزبد وشراب القيقب من كندا عن انزعاجهم إزاء مكونات القنابل من كوريا الشمالية. لكن الولايات المتحدة يجب أن تكون أكثر انفتاحا على التجارة مع البلدان التي تحافظ معها على تعاون عسكري وثيق، الواقع أن الولايات المتحدة تجري عشرات المناورات التدريبية المشتركة مع القوات المسلحة الكندية، وبالطبع لا تجري أي مناورات مع كوريا الشمالية. وإلى جانب كندا، يجب أن تكون دول مثل أستراليا والمملكة المتحدة واليابان وألمانيا على رأس القائمة.

الواقع أن بعض تحركاته محيرة بقدر ما هي مثيرة للقلق. على سبيل المثال، رفع بايدن الرسوم الجمركية على الأخشاب الكندية وأغلق خط أنابيب كي ستون، الذي كان لينقل النفط من كندا إلى مصافي التكرير الأمريكية. لكنه خفف قيود تصدير النفط المفروضة على إيران بل وأفرج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة.

يعتقد كثيرون من الأمريكيين أنه إذا لم تلاحظ الحكومة الفيدرالية عبور نحو مليون مهاجر "فار" (أجل، هذا هو المصطلح الرسمي) للحدود الجنوبية في 2023، فكيف من الممكن ائتمانها على التعامل مع 20 مليون حاوية غير خاضعة للتفتيش من الصلب المموج تصل على متن سفن من مكان لا يعرفه أحد؟ وإذا كانت الحكومة لا تستطيع أن تعترض المشاة، فكيف يمكنها أن تعترض مكابس المحركات التي تحمل علامة "تورنتو"، التي ربما كان منشأها في تيانجين؟

تعمل التجارة العالمية على زيادة الثروة الوطنية، لذا فربما لا يريد الأمريكيون أن تزداد بعض البلدان ثراء. ​ولأن نجاح التجارة قد يُـلهِـب الحماس بقدر ما يثري، فإن الصين الأكثر ثراء قد لا تكون في مصلحة الولايات المتحدة في هذا الوقت. الواقع أن تهديدات الصين لتايوان، وبناء الجزر الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي، والمواجهات مع اليابان، والتعهدات العلنية بالهيمنة على الاقتصاد العالمي تذكرنا بتحذير نيكيتا خروشوف المزعوم، "سندفنكم".

الواقع أن الولايات المتحدة معرضة للخطر حاليا في مجالات عديدة. فمعدات أشباه الموصلات الثمينة تقع في تايوان، على بعد نحو 100 ميل من بر الصين الرئيس، وفي نطاق استهداف سفنها الحربية، فضلا عن حاملات طائراتها الجديدة. وتتمتع الصين وروسيا بميزة السبق في مجال الصواريخ الأسرع من الصوت.. في العام الماضي، انخفضت حركة المرور التجارية في البحر الأحمر إلى النصف، مع اضطرار السفن إلى قطع مسافة 6 آلاف ميل إضافية حول طرف إفريقيا الجنوبي. وتستمر المخاوف بشأن سلاسل التوريد في التأثير في الشركات لفترة طويلة بعد انتهاء عمليات الإغلاق من عصر الجائحة.

الأخطار تتعاظم عندما لا تُـفَـرِّق السياسة الاقتصادية الأمريكية بين نيران العدو والمنافسة الودية. ينبغي للأمريكيين أن يتاجروا مع أولئك الذين يسيرون معنا خطوة بخطوة في ساحات المعارك.

خاص بـ"الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي