مخاطر إعداد التقارير المالية الاحتيالية

تزايدت الأخبار في السوق المالية عن الاحتيال الذي يمارسه بعض من يتولى إدارة الشركات، ومن ذلك التلاعب في القوائم المالية، ومن ذلك ما أعلنت عنه هيئة السوق المالية عن تورط إحدى الشركات في عدم الالتزام بالمعيار الدولي للمحاسبة (36) "الهبوط في قيمة الأصول" المعتمد من الهيئة السعودية للمراجعين والمحاسبين، واعتماد القوائم المالية الموحدة للشركة لعدة فترات مالية بما تضمنته من مخالفات. لكن ما الأسباب الكامنة خلف ارتكاب الشركات لهذه المخالفات الظاهرة؟
تاريخيا وفي عام 1928 أي قبل بداية أزمة الكساد العالمي، كانت الشركات تعمل بهدوء وثقة، كان الاقتصاد الرأسمالي الحر يسمح بشتى أنواع الشركات، وشتى أنواع التمويل، ومن ذلك طرح الشركات للاكتتاب العام، لكن عندما تقوم شركة بطلب الأموال من الجمهور، فإنها تتحمل التزامًا بأن تكون على مستوى الثقة وعليها حماية المصلحة العامة كما أن عليها الإفصاح الكامل والعادل عن معلومات الشركة، بما في ذلك النتائج المالية، كان هناك إحساس عام بالثقة برجال الأعمال، لكن الأحداث التي تلت 1929 أثبتت أن الأمور قد تخرج عن السيطرة ويفقد رجال الأعمال نزاهتهم، ولأن المعلومات أهم ما في العلاقات التعاقدية بين الشركة وكافة الأطراف الأخرى (موظفين، دائنين، وضرائب).
إن المحافظة على تدفق مستمر من المعلومات الصحيحة من داخل الشركة إلى كافة الأطراف قد أصبحت مسألة حياة أو موت للأسواق المالية، لم يكن أحد قادرا على تحمل مسؤولية ضمان دقة المعلومات، لكن المراجع الخارجي للحسابات كان هو المتاح حينها فأصبحت مراجعة القوائم المالية للشركات إلزامية وعلى أساس أن تلك المعلومات (المالية) هي أهم ما تحتاج إليه الأسواق لاتخاذ قرار، وعندما يبدي المراجع المستقل رأيه في القوائم المالية للشركة المساهمة فإنه يتحمل مسؤولية "عامة" تتجاوز العلاقة التعاقدية مع الشركة وتمتد إلى مساهمي الشركة والدائنين والعملاء وبقية المستثمرين، لكن المراجعين الذين تحملوا تلك الأمانة، اكتشفوا بعدها، أنهم كانوا جاهلين (إنه كان ظلموا جهولا)، ذلك أن العوامل السببية والقوى التي تهيئ الفرصة للاحتيال ونشر معلومات غير صحيحة في القوائم المالية موجودة في جميع الشركات.
ولا توجد شركة، بغض النظر عن حجمها أو نشاطها التجاري، في مأمن من احتمال حدوث تقارير مالية احتيالية، وهذا الاحتمال متأصل في ممارسة الأعمال التجارية، هذا كان رأي لجنة تريدواي الذي صدر في 1987 بعد سنوات طويلة من مصائب الاحتيال وما خلفه من انهيارات، لقد عملت تلك اللجنة التي مولتها أكثر من 5 منظمات ذات صلة بالمراجع الخارجي، على معرفة أسباب فشل المراجع الخارجي في تنفيذ مهمته التي ادعى 1932 أنه قادر عليها منفردا. لقد وضعت هذه اللجنة توصياتها بعد جهد كبير وقالت في مجملها إن الحد من مخاطر التقارير المالية الاحتيالية، يتطلب أن نأخذ في الحسبان المشاركين في عملية إعداد التقارير المالية وعلى رأسهم الشركة وإدارتها، والمراجع الخارجي، والهيئات التنظيمية وحتى الجامعات والتعليم.
فعلى الرغم من أن المعلمين لا يعدون مشاركين في عملية إعداد التقارير المالية، إلا أنهم يلعبون دورًا مهمًا في المساعدة على تقليل مخاطر إعداد التقارير المالية الاحتيالية. يمكن للتعليم أن يعد طلاب إدارة الأعمال والمحاسبة للتعرف على العوامل التي يمكن أن تسهم في هذا النوع من الاحتيال والقيم الأخلاقية وممارسات الأعمال الجيدة اللازمة للحماية منه. ولعلنا في مقالات مقبلة نتدارس تقرير لجنة تريدوي في مواجهة مشكلة التقارير المالية الاحتيالية، ونفهم منه كيف انطلقت مفاهيم الحوكمة الأساسية ومن أهمها مفهوم نبرة أو نغمة الإدارة العليا (The Tone at the Top).
فالسلوك الذي تنتهجه الإدارة العليا في التعامل مع البيانات المالية، وجديتها في ذلك وما تلزم نفسها به، يحدد سلوك الشركة كلها في ذلك، هنا نعود إلى مسألة التعليم، فمثل هذه النغمة تنشأ أولا في مقاعد التعليم.

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي