السياسة الصناعية ورداؤها الخادع

على الرغم من كل الفيلة البيضاء المتناثرة في عالم اليوم التي تذكـرنا بفشل السياسة الصناعية في الماضي، تستأنف الحكومات مرة أخرى تقديم إعانات الدعم، وفرض القيود التنظيمية وتدابير الحماية لضمان سيطرة الشركات المحلية التي تخلق الوظائف المحلية على مفاتيح اقتصاداتها الأساسية.

ما دامت الإستراتيجية الصناعية الجديدة تقدم أفكارا لتحسين الحكم العام، فإنها مفيدة في المجمل. لكنها تصبح خطيرة بشكل إيجابي عندما تدعو إلى التدخل في القطاع الخاص. فبفضل الدعم الذي توفره الإعانات، والقروض، والإعفاءات الضريبية، والرسوم الجمركية، والمشتريات الحكومية، وما إلى ذلك، سيجـند مشاركون مختارون في السوق لملاحقة ليس فقط النتائج الاقتصادية، بل وأيضا الاجتماعية والبيئية. مثله كمثل السياسة الصناعية من الماضي، يقود هذا النهج المنافسة، ويعطل إشارات الأسعار، ويصر على الحكم على أداء الشركات وفقا لمعايير أخرى غير الربحية، بما في ذلك المصالح الوطنية الضيقة.

لهذه الأسباب، تعمل الإستراتيجية الصناعية دوما -حتى لو أُطلِـقَت بأفضل النوايا- على استنزاف حيوية الجهود الاقتصادية الخاصة. وإذا أضفنا إلى ذلك الضغوط، والمحسوبية، والفساد الذي يحيط بأي مبادرة حكومية تُعرض فيها مليارات الدولارات، يتبين لنا أنه من الصعب أن نصدق أن هذا النهج قد يكون الحل الأمثل لأكبر التحديات التي يواجهها العالم.

عندما تكون تجارة الرقائق الإلكترونية حرة -مدفوعة بأسعار السوق وحافز الربح- فسيكون تخصيص العرض حيث الحاجة أعظم. أما إذا كانت الحكومات تسيطر على الناتج لأنها دعمت مصنعي الرقائق المحليين، فقد تنتهي الحال بالجميع إلى وضع أسوأ.
شركة ASML في هولندا، التي يمكنها إيقاف تشغيل هذه الآلات عن بعد باستخدام مفاتيح "القتل".

وإذا كان من الضروري إنتاج التصاميم، والرقائق، والآلات، والمواد الكيميائية الأساسية داخل نفس البلد لتحقيق الأمن الحقيقي، فإن اقتصادا قاريا ضخما فقط مثل اقتصاد الولايات المتحدة -وربما الصين والاتحاد الأوروبي- يمكنه اكتساب استقلال تصنيعي حقيقي، وبتكلفة هائلة.

يتمثل جزء من التكلفة في الدعم اللازم لنقل الشركات المصنعة المحلية غير القادرة على المنافسة إلى مسافة أقرب من الحدود التكنولوجية. ومن خلال قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم، تصب الولايات المتحدة إعانات دعم ضخمة في شركة إنتل (Intel، التي تخلت عن الزعامة العالمية في تصنيع الرقائق قبل فترة.

وهذه الأموال، باعتبارها جزءا من إستراتيجية صناعية، مرتبطة بشروط، بما في ذلك القيود المفروضة على استخدام المواهب الأجنبية والمشتريات، والمتطلبات اللازمة لتعزيز أهداف اجتماعية وأخلاقية عديدة، مثل إيجاد وظائف فنية ماهرة لا تتطلب درجة البكالوريوس.

مع فرض كل هذا القدر من الأعباء الإضافية على شركة مصنعة متعثرة بالفعل، فضلا عن نقص جوهري في الولايات المتحدة في ذلك النوع من الموظفين الذين تحتاج إليهم مصانع الرقائق المتطورة، فلا عجب أن تكون مصانع إنتل وحتى مصانع شركة TSMC الرائدة في الصناعة الجديدة في الولايات المتحدة متأخرة كثيرا عن الجدول الزمني.

من المنطقي أن تمتنع الاقتصادات المتوسطة الحجم عن المشاركة في هذا الجنون. لكن الإستراتيجية الصناعية وخاصة عندما تحظى بموافقة الاقتصادات الرائدة وعلى هذا، فبعد أن وعدت الهند بتقديم 10 مليارات دولار في هيئة إعانات دعم للرقائق الإلكترونية، ولم تنجح إلا في تأمين الوعد بتوفير قِـلة من الوظائف والمرافق التي تنتج الرقائق الإلكترونية من الجيل الأقدم، نجد أنها تضاعف جهودها على ذات المسار بتقديم 15 مليار دولار أخرى من إعانات الدعم التي لا يمكنها تحملها.

مع تسبب الإستراتيجية الصناعية في الصين في دفع تحركات مماثلة من جانب الديمقراطيات المتقدمة، اجتاحت ذات الاتجاهات المركبات الكهربائية، والخلايا الشمسية، والبطاريات.

وبدلا من السماح للأسواق التنافسية بدفع الابتكار في مجال التكنولوجيا الخضراء والإنتاج الرخيص لصالح العالم، فإننا نعمل على تفتيت وإضعاف هذه القطاعات الـحَـرِجة بالرسوم الجمركية، وإعانات الدعم، والشركات الميتة الحية المدعومة من الحكومة. وبهذا نفوز بمعركة الإنتاج المحلي في حين نخسر الأرض في الحرب ضد تغير المناخ. نحن في حاجة إلى حوار عالمي بشأن المكان المناسب للإستراتيجية الصناعية، وإلا فإننا يجب أن نتوقع عددا أكبر كثيرا من الفيلة البيضاء الباهظة الثمن.

خاص بـ"الاقتصادية"

بروجيكيت سنديكيت 2024

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي