في الدول المستهلكة .. الضرائب تشكل أكبر نسبة من الأسعار في محطات الوقود
قال هيثم الغيص أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط، أوبك: كثيراً ما نسمع أن الارتفاع في الأسعار يزيد من تكاليف الوقود، الأمر الذي يرفع من عوائد الدول المنتجة للنفط على حساب الدول المستهلكة، مشيرا إلى أن مثل هذه الرواية قد تؤدي إلى توجيه أصابع الاتهام بين المستهلكين والمنتجين، بدلاً من الاتفاق على أن جميع الأطراف هم من أصحاب المصلحة في صناعة الطاقة، ولديهم احتياجات ومخاوف مشروعة. إلى جانب أن هذه الرواية لا تتوافق مع الحقائق.
وأضاف الغيص في مقال نشر اليوم على موقع منظمة "أوبك" اليوم: "من المهم أن ندرك أن تحديد الأسعار الذي يدفعها المستهلكون حول العالم في محطات الوقود تعتمد على عدة عوامل، وهي سعر النفط الخام، وتكاليف التكرير، والتسويق، والنقل، وهوامش الأرباح لشركات النفط، فضلاً عن الضرائب التي تفرضها حكومات الدول المستهلكة. إن دراسة هذه المسألة بشكلٍ أعمق توفر لنا معلومات وحقائق جديدة في هذا الشأن.
وتابع "فعلا، بإمكان النفط أن يكون مصدرا مجدا للعائدات، لكن عند تحليل هذا الأمر بتمعن نرى أن الدول الكبرى المستهلكة للنفط هي المستفيدة في المقام الأول من هذه العائدات عبر الضرائب التي تفرضها. على سبيل المثال، تجني اقتصادات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عائدات أكبر وبشكلٍ ملحوظ من مبيعات التجزئة للمنتجات البترولية مقارنة بعائدات الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) التي تجنيها من خلال بيعها للنفط".
ولفت أمين أوبك إلى أن "اقتصادات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جنت في الفترة بين عامي 2019 و 2023 نحو 1.915 تريليون دولار سنويا من خلال مبيعات التجزئة للمنتجات البترولية أكثر مما حققته الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» من عائدات بيع النفط، ويعزى هذا الأمر إلى كون جزء كبير من أسعار التجزئة للمنتجات للبترولية هو عبارة عن ضرائب".
وأضاف "لذلك، قد يرى عديد من المستهلكين الضريبة عاملاً أكثر أهمية وتأثيراً من السعر الأصلي للنفط الخام في هذا الشأن، خصوصاً عند الشعور بأي ضائقة، وبالنسبة لحكومات الدول المستهلكة، فهذه العائدات تعد عائدات مهمة تُجنى من خلال بيع المنتجات البترولية".
الغيص عرج في مقاله على الدول المنتجة حيث أشار قائلا "أما بالنسبة للدول المنتجة، فتقوم حكومات هذه الدول بإعادة استثمار جزء كبير من هذه العائدات في قطاعات الاستكشاف والإنتاج والنقل للصناعة النفطية حتى تتمكن من تأمين احتياجات العالم من النفط بشكل مستمر".
وتابع "لتوضيح هذه المسألة المهمة، أود أن أنوه بأن الدول المنتجة للنفط، وبغض النظر عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبنية التحتية وغيرها من التحديات التي تواجهها، لا يمكنها التمتع بالحرية المطلقة في صرف عائداتها، حسب احتياجات الدول والشعوب، حيث يتعين عليها أيضاً إعادة استثمار جزء كبير من الإيرادات في الصناعة النفطية من أجل تأمين الإمدادات التي يحتاجها المستهلكون في الوقت الحالي وفي المستقبل".
أمين أوبك أكد أن تطوير النظام الضريبي المناسب لكل دولة هو بلا شك حق سيادي، مستدركا "لكن عندما تثار المخاوف بشأن تأثير الأسعار المرتفعة في محطات الوقود على دخل الشعوب، يجب علينا جميعاً أن نتذكر حجم الإيرادات المالية لهيئات الضرائب وخزانات الدول المستهلكة في بعض أنحاء العالم".
ولفت قائلاً:" تؤكد هذه المستويات من الضرائب على الإدراك من قبل الدول المستهلكة على قدرة النفط ومنتجاته في توليد الإيرادات. فتستثمر حكومات هذه الدول هذه الإيرادات في الخدمات العامة لتقدمها لشعوبها. ففكرة توجيه أصابع الاتهام ضد المنتجين هي تشويه للواقع".
وختم الغيص مقاله بالإشارة إلى أن: "بعض الحكومات تسعى إلى الاستفادة من النفط من خلال العائدات التي يمكن أن يجلبها، وتسعى في الوقت نفسه إلى التخلص التدريجي منه، وتطوير مصادر طاقة أخرى بدلاً منه. وفي هذه الحالة، هناك سؤال يطرح نفسه، وهو كيفية تعويض الإيرادات التي ستفقدها هذه الحكومات، إذا تبنت هذا النهج، وفي هذا الصدد هناك تساؤل آخر، وهو هل ستفرض هذه الدول مستويات ضريبية مشابهة على مصادر الطاقة الأخرى أم لا؟".