مواجهة أزمة غلاء المعيشة في إفريقيا
أثارت تكاليف المعيشة المتزايدة الارتفاع في إفريقيا موجة من الاحتجاجات في الأشهر الأخيرة، وهذا يؤكد التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المرتفعة بدرجة غير متناسبة نتيجة للتضخم في قارة تعاني فقرا مضطردا واسع الانتشار وضعفا متزايد الـحِـدّة في مواجهة التقلبات العالمية.
في مستهل الأمر، أثرت دورة التضخم الحالية -وهي نتاج لصدمات العرض المرتبطة بالجائحة والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة- على البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. لكن الضغوط التضخمية أصبحت أقل تزامنا بمرور الوقت. ففي حين انخفض نمو الأسعار بشكل حاد في الاقتصادات المتقدمة، فأنه يظل مرتفعا بعناد -وفي بعض الحالات يزداد ارتفاعا- في إفريقيا.
على سبيل المثال، في مايو، بلغ معدل التضخم السنوي في نيجيريا، أحد أكبر اقتصادات إفريقيا، 34 % -وهذا أعلى مستوياته في 28 عاما- ومن المتوقع أن يظل مرتفعا في النصف الثاني من العام، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع تضخم المواد الغذائية، الذي تسارع إلى 40 %. هذا من شأنه أن يقلل من قدرة الأسر الشرائية ويزيد من خطر انعدام الأمن الغذائي، خاصة بين المنتمين إلى طبقة متنامية من المواطنين المبتلين بالفقر والأكثر ضعفا وعُـرضة للخطر في نيجيريا.
في أغسطس، انتشرت الاحتجاجات ضد الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن هذا الفشل في مدن نيجيرية كبرى عِـدّة. جاءت هذه الاحتجاجات في أعقاب أسابيع من أعمال الشغب في كينيا ضد مشروع قانون المالية الحكومي، الذي اقترح زيادة الضرائب على سلع أساسية مثل زيت الطعام، والخبز، والفوط الصحية، حتى في وقت حيث كان الملايين يكافحون بالفعل لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
يؤثر التضخم في أسعار المواد الغذائية على الأسر المنخفضة الدخل بدرجة أكبر من تأثيره في نظيراتها المرتفعة الدخل لأنها تنفق قسما أكبر من ميزانيتها على الضروريات. لاحظ أن تكاليف الغذاء تمثل 16 % من إنفاق المستهلك في الاقتصادات المتقدمة، لكنها تمثل نحو 40 % في البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا. يفسر هذا الاختلاف في تكوين الإنفاق الطبيعة الأكثر تراجعا للتضخم في بلدان جنوب الصحراء الكبرى، وهي موطن لنحو 60 % من أشد الناس فقرا على مستوى العالم، ولماذا يحمل التضخم هناك قدرا أعظم من أخطار الاضطرابات السياسية.
كما أدى الافتقار إلى فرص العمل الرسمية إلى تفاقم أزمة تكاليف المعيشة في إفريقيا. من المؤكد أن أجور العمال من ذوي الدخل المنخفض الذين يعملون في وظائف رسمية لا تواكب زيادات الأسعار. لكن أنشطة القطاع غير الرسمي -وهو شكل مُـقَـنَّـع من أشكال البطالة والقيود على الرخاء المشترك- تمثل نحو 85 % من إجمالي العمالة في القارة، كما يتعين على هؤلاء العمال التعامل مع تقلبات الدخل والمكونات غير المتوقعة للتضخم، الأمر الذي يزيد من تضييق الـخِـناق على الأُسر.
الاستجابة للاحتجاجات، تعمل الحكومات على عكس اتجاه بعض سياساتها الدورية أو تنفيذ تدابير تكميلية للتخفيف من تأثيرها. فقد أقال الرئيس الكيني ويليام روتو حكومته بالكامل وسحب مشروع قانون المالية المثير للجدال، الذي كان من المتوقع أن يجمع 2.7 مليار دولار من العائدات الإضافية لتلبية الأهداف المالية التي حددها صندوق النقد الدولي. وفي نيجيريا، أعلنت الحكومة تعليق الرسوم الجمركية على الواردات من بعض الأغذية لمدة 150 يوما لتخفيف الضغوط المفروضة على الأُسر الـمُـنـهَـكة.
لا ينبغي لصناع السياسات في إفريقيا أن يكتفوا بالاستثمار في رأس المال البشري لتحريك بلدانهم إلى أعلى سلم القيمة في اقتصاد عالمي حيث أصبحت التكنولوجيا محركا رئيسا للنمو. بل يجب عليهم أيضا أن يسعوا جاهدين إلى تحقيق المساواة في القدرة على الوصول إلى الفرص وتحقيق الرخاء المشترك لدعم مفهوم الدولة القومية وتعزيز الأمن الوطني. وعلى حد تعبير سامورا ماشيل، أول رئيس لموزمبيق، "لكي تعيش الأمة، يجب أن تموت القبيلة". لفترة طالت كثيرا، أفضى النهج القبلي في التعامل مع الحكم إلى تقويض التنمية الوطنية، وإدامة الفقر بين الأجيال وتفاقم تفاوت التضخم.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.
www.project-syndicate.org