أسعار النفط تحقق مكاسب وسط تقلبات
شهدت أسواق النفط الأسبوع الماضي موجة جديدة من التقلبات الكبيرة، مع مزيج من الاضطرابات في جانب العرض واستمرار مخاوف الطلب. على الرغم من أن انقطاعات العرض المؤقتة قدمت بعض الضغوط الصعودية، فإن الطلب العالمي الضعيف، خاصة من الصين، أثر بشكل كبير في زخم الأسعار.
انخفضت أسعار النفط عند إغلاق الجمعة، بعد استئناف إنتاج النفط في خليج المكسيك، الذي تعطل بفعل إعصار فرسين واستقرت العقود الآجلة لخام برنت عند 71.61 دولار للبرميل بانخفاض 36 سنتا، فيما استقرت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط عند 68.65 دولار للبرميل بانخفاض 32 سنتا. رغم هذا التراجع، حقق كلا الخامين مكاسب أسبوعية بعد زيادات حادة في وقت مبكر من الأسبوع، حيث ارتفع خام برنت بنحو 0.8 %، والخام الأمريكي بأكثر من 1.4 %.
كان إعصار "فرنسين"محفزا مهما دفع أسعار النفط إلى الارتفاع في منتصف الأسبوع. حيث، أدت العاصفة التي ضربت خليج المكسيك في الولايات المتحدة إلى إيقاف إنتاج نحو 730 ألف برميل يوميا من النفط. ويمثل هذا نحو 42 % من إجمالي إنتاج المنطقة. إضافة إلى ذلك، لا يزال هناك قدر كبير من الإنتاج الليبي متوقفا بعد انهيار المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة. ما يعني أن إجمالي انقطاعات العرض يبلغ الآن نحو 1.5 مليون برميل يوميا.
لكن على الرغم من مخاوف العرض الذي تعطل بسبب الإعصار، من المتوقع أن يعود جزء كبير من إنتاج خليج المكسيك إلى العمل بسرعة نسبية بعد تحول العاصفة إلى منخفض استوائي. بدأ السوق بالفعل في تحويل التركيز بعيدا عن العاصفة، والنظر بدلا من ذلك إلى توقعات الطلب الأوسع.
وما زاد الضغط على الأسعار، ارتفاع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة بسبب زيادة الواردات وانخفاض الصادرات، ما زاد من غموض توقعات الطلب. إضافة إلى ذلك، انخفض خام برنت لفترة وجيزة إلى ما دون 70 دولارا للبرميل، مسجلا أدنى مستوى له منذ أواخر عام 2021، بعد أن قامت أوبك بمراجعة توقعاتها لنمو الطلب لعام 2024 إلى 2.03 مليون برميل يوميا، وهو انخفاض عن تقديراتها السابقة بنحو 80 ألف برميل يوميا. كما تم تخفيض التوقعات لعام 2025، ما يعكس المخاوف المتزايدة من تباطؤ الاقتصاد العالمي، خاصة في الصين. حيث، أظهرت بيانات الواردات الصينية لشهر أغسطس طلبا أضعف من المتوقع، ما أسهم بشكل أكبر في انخفاض المشاعر في السوق. مع محاولة الصين تحفيز اقتصادها المحلي، ظل الطلب على الديزل ضعيفا، ما أثر في هوامش المصافي الآسيوية.
من ناحية أخرى، أظهر سوق النفط في الأشهر الأخيرة مرونة ملحوظة في مواجهة الأخطار الجيوسياسية، حيث كان للصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط تأثير ضئيل في الأسعار في الآونة الأخيرة. لقد أدت علاوات المخاطر الجيوسياسية إلى ارتفاعات متقطعة في الأسعار على مدار العام الماضي، لكن الأسواق المادية تكيفت مع تحولات تدفق التجارة والبيع المكثف لصناديق التحوط.
بالفعل، أثرت علامات ضعف الطلب وهبوط هوامش التكرير في معنويات السوق، ما دفع المتداولين ومديري الأموال إلى خفض رهانهم الصعودي على العقود الآجلة للنفط إلى أدنى مستوى على الإطلاق منذ 2011. على سبيل المثال، خفض مديرو الأموال صافي عقودهم الآجلة الطويلة للخام وخياراتهم في بورصة نيويورك ولندن بمقدار 27,493 عقدا إلى 59,741 في الأسبوع حتى العاشر من سبتمبر، وفقا للجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية.
التوقعات قصيرة الأجل لأسواق النفط لا تزال تهيمن عليها المعنويات الهبوطية بسبب الأخطار الاقتصادية في الصين والولايات المتحدة. لكن هل البيانات تبرر هذا؟ تشير أساسيات العرض والطلب إلى تراجع المخزونات في النصف الثاني من العام، وهو ما يتعارض مع هذه التوقعات الهبوطية. إذا تمكن اقتصاد الصين من التعافي وحافظت "أوبك+" على الامتثال، ستتمكن الأسعار من التحرك صعودا. إن ما تحتاج إليه السوق هو بعض الأخبار الإيجابية لتحسين المشاعر قبل أن تستعيد العوامل الأساسية قوتها. وتتطلع السوق الآن إلى اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع. حيث، من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض البنك أسعار الفائدة.