الازدهار الجماعي والديناميكية الاقتصادية

لماذا تشهد بعض البلدان ازدهارا اقتصاديا جماعيا في حين لا يفعل غيرها؟ ولماذا مر عديد من بلدان الغرب – المملكة المتحدة أولا، ثم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا – بفترة مشهودة من الابتكار والنمو الاقتصادي والتقدم البشري بدأت 1890؟ ولماذا توقف الابتكار بعد 1970؟

إن أطروحتي، التي وضعتها من خلال كتابي الصادر في 2013 بعنوان "الازدهار الجماعي: كيف أدت الابتكارات الشعبية إلى استحداث فرص عمل وتحديات وتغييرا"، وخضعت للفحص في تتمة عام 2020 بعنوان "الديناميكية: القيم التي تدفع الابتكار، والرضا الوظيفي، والنمو الاقتصادي"، تقول إن البلدان ذات الأداء الجيد بلغت مستويات أعلى من الديناميكية، أي رغبة شعوبها في الابتكار وقدرتها عليه. وكانت القوة الكامنة وراء هذه الديناميكية الابتكارية التي حفزت أعدادا كبيرة من الناس على تصور الابتكارات هي ظهور قيم حديثة معينة وانتشارها: المذهب الفردي، والمذهب الحيوي، والرغبة في التعبير عن الذات.

والفكرة في المذهب الحيوي هو الشعور بأننا أحياء حينما نبادر و"نعمل على العالم"، وهو المصطلح الذي استخدمه جورج فيلهلم فريدريش هيجل، الفيلسوف الألماني، للاستمتاع بالاستكشاف والمغامرة في عالم المجهول.

تشكلت الاقتصادات الحديثة في البلدان التي ظهرت فيها القيم الحديثة. وكانت هذه الاقتصادات مدفوعة، في جوهرها، بالتقدير الذاتي لشعب حديث وحدسه وخياله، ومعظمهم أناس عاديون، كما أحب أن أصفهم، منخرطون في مجالات عمل متنوعة. وتلك البلدان عالية الديناميكية لم تحقق معدلات أعلى من الابتكار وحسب، لكنها حققت أيضا معدلات أعلى من الرضا الوظيفي والسعادة المرتبطيْن بالمكافآت غير المالية مثل الشعور بالإنجاز، وإطلاق عنان الخيال لابتكار أشياء جديدة، والتغلب على التحديات. وكانت هذه البلدان هي التي ساعدت على الازدهار الجماعي.

وعلى العكس من ذلك، كانت الديناميكية نادرة والابتكار والرضا الوظيفي أقل وفرة في المجتمعات التي سادت فيها القيم التقليدية، مثل النزعة التوافقية، والخوف من المخاطرة، وخدمة الآخرين، والتركيز على المكاسب المادية بدلا من اكتساب الخبرات.

فهل من أدلة تدعم نظريتي؟ تكشف عمليات حساب الديناميكية، التي أجراها أحد المؤلفين المشاركين معي في هذا العمل، وهو رايتشو بوجيلوف، أن الابتكار كان وفيرا بشكل متسق في بعض البلدان وهزيلا بشكل متسق في بعضها الآخر على مدار قرن تقريبا. وخلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي اتسمت بارتفاع معدل الابتكار (مقارنة بفترة الابتكار التاريخية من سبعينيات القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الأولى)، ارتفعت معدلات الابتكار الداخلي إلى مستويات مبهرة وتباطؤ الابتكار والنمو لا يعني أن الابتكار كان غائبا منذ سبعينيات القرن العشرين – فقد حدثت تطورات خارقة في مجال الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، على سبيل المثال. غير أن معظم هذه الابتكارات تأتي من منطقة "سيليكون فالي" عالية التقنية في كاليفورنيا، وهي تشكل جزءا صغيرا من الاقتصاد. وقد علق أخيرا دارون أسيموجلو، الاقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بقوله "إن الذكاء الاصطناعي لن يضيف أكثر من 1% إلى الناتج الاقتصادي للولايات المتحدة على مدى العقد المقبل".

إن التكاليف الاقتصادية التي يتكبدها الغرب بسبب ضياع الابتكار هي تكاليف باهظة. وما أسفر عنه ذلك من شبه ركود في معدلات الأجور يزعج العاملين الذين نشأوا على الاعتقاد بأن أجورهم ستزداد بما يكفي لينعموا بمستوى معيشة أفضل حالا من آبائهم. ومع تناقص عائدات الاستثمارات الرأسمالية التي لم يعد هناك تقدم تقني هائل يوازنها، واجه كثير من محاولات تكوين رأس المال عوامل مثبطة له. ومع تدني أسعار الفائدة الحقيقية إلى مستويات أقل، ارتفع سعر كثير من الأصول، مثل المساكن، دون توقف من نحو عام 1973 حتى عام 2019، فلم يقدر على سكناها سوى عدد من الناس أقل من أي وقت مضى.

وكانت التكاليف الاجتماعية باهظة كذلك. ويتبين من بيانات الأسر المعيشية في المسح الاجتماعي العام أن الرضا الوظيفي في الولايات المتحدة، كما جاء في التقارير، أخذ ينخفض منذ عام 1972. وسيكون من الصعب استعادة هذه القيم وعكس مسار تباطؤ الابتكار. وعلى خبراء الاقتصاد تصميم اقتصاد عالي الديناميكية يشهد الناس فيه ازدهارا جماعيا بدءا من القاعدة العريضة للشعوب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي