شهية قياسية من شركات الشرق الأوسط الغنية على الاستثمار في الصين

شهية قياسية من شركات الشرق الأوسط الغنية على الاستثمار في الصين

يضخ المستثمرون الأثرياء من الشرق الأوسط رؤوس أموال قياسية في السوق الصينية، بينما تتراجع شركات عالمية أخرى عن الاستثمار هناك، حيث شارك جهاز أبوظبي للاستثمار، المعروف اختصاراً باسم "ADIA"، في صفقة بقيمة 8.3 مليار دولار مع وحدة إدارة مراكز التسوق التابعة لمجموعة "داليان واندا غروب" ، بجانب صندوق "مبادلة للاستثمار" في أبوظبي مؤخراً.

في مايو الماضي، أعلنت مجموعة "لينوفو" عن بيع سندات قابلة للتحويل بقيمة ملياري دولار لصندوق الثروة السيادي السعودي كجزء من شراكة استراتيجية أوسع مع المملكة التي تسعى لتعزيز استثماراتها في مجال التكنولوجيا.

تظهر بيانات جمعتها "بلومبرغ" أن حجم الصفقات التي أبرمتها شركات الشرق الأوسط في منطقة الصين الكبرى بلغ بالفعل رقماً قياسياً قدره 9 مليارات دولار هذا العام، مع توقعات بمزيد من الصفقات خلال الأشهر الثلاثة المتبقية من العام. كما يتوقع صُناع الصفقات تسارع وتيرة هذه الاستثمارات في الأرباع السنوية المقبلة.

يقول مايوران إلالينغهام، رئيس قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية والاستشارات لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في "دويتشه بنك"، إن "تقييمات الأصول الصينية تعد الأكثر جاذبية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكملها". وأشار إلى أن "مستثمري الشرق الأوسط يعتمدون على استراتيجيات استثمارية طويلة الأجل، ويعتقدون أن الأسواق ستتعافى بمرور الوقت".

صناديق الثروة .. مستثمر أساسي

أصبحت صناديق الثروة في الشرق الأوسط، التي تدير مجتمعة أصولاً بقيمة تتجاوز 4 تريليونات دولار، لاعباً أساسياً في إبرام الصفقات العالمية، حيث تمثل أكثر من نصف قيمة الصفقات التي أبرمها المستثمرون العالميون المدعومون من الدولة هذا العام.

ووفقاً لبيانات شركة الاستشارات "غلوبال إس دبليو إف"، فإن مؤسسات مثل جهاز أبوظبي للاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة السعودي وجهاز قطر للاستثمار، دعمت صفقات بقيمة 55 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.

في الوقت نفسه، خفضت العديد من الشركات الأخرى إنفاقها العالمي، خاصة في الصين، التي تواجه قيوداً تنظيمية متزايدة وتوترات جيوسياسية وتقلبات سوقية، بجانب التباطؤ الاقتصادي. وحتى صناديق الاستثمار التي تركز على الصين، أعادت توجيه تركيزها نحو مناطق أخرى مثل جنوب شرق آسيا واليابان وأستراليا وحتى أوروبا.

تزامن هذا التراجع مع سحب المستثمرين الأجانب أموالاً قياسية من الصين بين شهري أبريل ويونيو. وفي محاولة لإنعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أعلن البنك المركزي الصيني يوم الثلاثاء حزمة شاملة من تدابير التحفيز النقدي، مما يعكس القلق المتزايد لدى حكومة الرئيس شي جين بينغ بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع ثقة المستثمرين.

أكد إلالينغهام أن "صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط لديها موارد مالية هائلة وتسعى إلى فرص استثمارية مثيرة في آسيا، خاصة مع انحسار المنافسة، مما يمكنها من الاستحواذ على أصول عالية الجودة بأسعار مخفضة مقارنة بالأسواق الأخرى في المنطقة، وبالمقارنة مع التقييمات التاريخية في الصين، لا سيما في قطاعات مثل الرعاية الصحية والاستهلاك". كما أن هذه الصناديق تسعى أيضاً لتعزيز معرفتها في الصناعات التي تتمتع فيها الصين بميزة تنافسية عالمية، مثل التصنيع المتقدم.

ومع ذلك، فإن اهتمام المستثمرين في الشرق الأوسط لا يعوض عن الانخفاض العام في نشاط الصفقات في الصين. فقد تراجعت قيمة الصفقات الموجهة للشركات الصينية هذا العام بنسبة 12% عن العام الماضي لتصل إلى 77 مليار دولار، وفق بيانات "بلومبرغ".

تزايد اهتمام المستثمرين بالصين

أفاد هو ين لي، الذي يساهم في إدارة الخدمات المصرفية الاستثمارية في مجال التكنولوجيا والاتصالات بآسيا لدى "سيتي غروب"، أن "هناك اهتماماً متزايداً بالصين، حيث يتطلع مستثمرو الشرق الأوسط إلى الاستثمار في شركات رائدة ضمن قطاعاتها المعنية ومستعدة للتعاون".

ولم تشكل التوترات الجيوسياسية عائقاً كبيراً أمام صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط التي تستهدف الاستثمار في الصين، بحسب صمويل كيم، رئيس قسم الاندماج والاستحواذ لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى "دويتشه بنك".

وأوضح كيم، الذي يشغل أيضاً منصب كبير مسؤولي "دويتشه بنك" في كوريا الجنوبية، أن "صناديق الشرق الأوسط لعبت دوراً محورياً في تسهيل العديد من صفقات الاستحواذ".

تعززت العلاقات السياسية بين الصين والشرق الأوسط كذلك، فقد أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ في وقت سابق من هذا الشهر عن استعداد بلاده لتعميق التعاون مع المملكة العربية السعودية في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات والبنية التحتية. كما شجعت الصين شركاتها على الاستثمار في المملكة في مجالات مثل الطاقة الجديدة والمعلومات والاتصالات والاقتصادات الرقمية والخضراء.

ولاستكشاف فرص جديدة للتوسع، يقضي المسؤولون الحكوميون والمصرفيون الاستثماريون والمحاميون والمستشارون في آسيا مزيداً من الوقت في لقاء مستثمرين من الشرق الأوسط، ممن يقومون بجولات في الصين وبقية منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحثاً عن فرص للتوسع.

أما بالنسبة لهونغ كونغ، التي تعتمد بشكل كبير على إدراج الشركات الصينية والتمويل من الولايات المتحدة وأوروبا، فإن التفاعل المتزايد مع مستثمري الشرق الأوسط يعد تطوراً إيجابياً لها؛ لأنه يُسهم في تنويع الفرص الاستثمارية ومصادر التمويل، وفقاً لتصريحات لويس لاو، الشريك في مجموعة استشارات الأسواق المالية لدى "كيه بي إم جي" (KPMG) في الصين.

"أرامكو" تعزز استثماراتها في الصين

تشهد شركة "أرامكو السعودية" بصفة خاصة نشاطاً متزايداً للصفقات في الصين، حيث تدرس الاستثمار في مزيد من المصانع الكيميائية في البلاد، بجانب صفقات أبرمتها بالفعل لضمان وجود مشترين طويلي الأجل لنفطها الخام. وتتطلع أكبر دولة مُصدرة للنفط الخام في العالم إلى الاستحواذ على حصة قدرها 10% في شركة "هينغلي بتروكميكال" الصينية، إضافة إلى صفقات مماثلة مع شركتين صينيتين أخريين.

وفي العام الماضي، أبرمت "أرامكو" صفقة بقيمة 3.4 مليار دولار لشراء حصة في شركة "رونغشنغ بتروكيميكال"، وهي أكبر عملية استحواذ خارجية في تاريخ الشركة.

كما لا تقتصر تطلعات "أرامكو" على النفط والبتروكيماويات فقط. ففي يونيو الماضي، أعلنت عن خطط لشراء حصة 10% في مشروع مشترك لصناعة السيارات مع شركة "رينو" الفرنسية والمجموعة الصينية "زيجيانغ جيلي هولدينغ غروب"، وهي صفقة قدرت قيمة شركة "هورس باورترين" بنحو 8 مليارات دولار.

الصين والتنويع الاقتصادي في الخليج

تعمل السعودية ودول أخرى على تكثيف جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، مع التركيز على قطاعات مثل الطاقة النظيفة والصناعات والتكنولوجيا والسياحة والرياضة.

وبحسب سيمون رحيم زادة، الشريك المقيم في دبي لدى شركة المحاماة "أشورست"، فإن الهدف الطويل الأجل لإعادة تشكيل الاقتصادات سيوجه على الأرجح استراتيجياتهم الاستثمارية في دول مثل الصين. وأضاف أن بعض صناديق الثروة السيادية قد تستثمر أيضاً في شركات تسعى للتوسع في الشرق الأوسط مما يعزز تبادل المعرفة والخبرات.

ومع ذلك، أثار النشاط المتزايد للاستثمارات في الصين بعض التداعيات. فقد واجهت صناديق الشرق الأوسط تدقيقا متزايدا من جانب إدارة جو بايدن بشأن الصفقات المتعلقة بالولايات المتحدة، كجزء من جهود أوسع لمواجهة الكيانات التي يُعتقد أن لها علاقات وثيقة مع بكين، بحسب تقرير "بلومبرغ نيوز".

الأموال المتدفقة من الشرق الأوسط

قال لي لي، رئيس قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية الصناعية لمنطقة آسيا لدى "سيتي غروب": "لم نشهد فقط زيادة كبيرة في حجم رأس المال المتدفق من الشرق الأوسط مؤخراً، بل أصبح التركيز ينصب بشكل متزايد على التنويع في الاقتصادات الآسيوية، بما فيها الصين".

كما استقطبت الأصول في قطاعات الخدمات اللوجستية والاستهلاك والرعاية الصحية استثمارات كبيرة من الشرق الأوسط، حيث استحوذت شركة "دي بي ورلد"، الرائدة في حلول سلاسل التوريد العالمية ومقرها دبي، هذا العام على شركة "كارغو سيرفيسز سيفرايت"، مما منحها حصة مسيطرة في شركة "سي إن لوجيستيك إنترناشونال هولدينغز" المدرجة في هونغ كونغ.

بالإضافة إلى ذلك، استحوذت "مبادلة" بالتعاون مع مجموعة "سي بي سي غروب" على قسم أمراض الأعصاب والحساسية التابع لشركة "يو سي بي" في الصين في صفقة قيمتها 680 مليون دولار.

الأكثر قراءة